الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أحمد حبشي: مسرحية "النقشة" لسعد الله عبد المجيد.. مأساة كل مطالب بحقوق

 
أحمد حبشي
 
"النقشة".. بطاقة تقنية
بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، تقوم فرقة "محترف 21" بجولة وطنية لعرض مسرحيتها المتميزة "النقشة".
المسرحية من تأليف وإخراج: عبد المجيد سعد الله، وتشخيص ثلة من الممثلين المتميزين، تتصدرهم جميلة مصلوحي، إضافة إلى مصطفى اهنيني وحميد مرشد وسعيد مزوار وسامي سعد الله وزينب زعبول وزكرياء حسني. السينوغرافيا لعبد الرحيم طلحة، ومساعد المخرج سامي سعد الله، وتقنيات الإضاءة والموسيقى لأيوب بنهباش، والإعلام والتواصل لإبراهيم إقلل، والملابس والإكسسوار لجميلة مصلوحي.
 
في مسرحية النقشة للمسرحي المتميز سعد الله عبد المجيد، تحكي الباتول معاناتها، وقسوة ما تعرضت لها من إجحاف وتعسف، في العلاقة مع محيطها العائلي أولا، وبشكل أفظع في وسطها المجتمعي وما قابلها به من ازدراءٍ، ومن تجاهلٍ لأبسط ما تطالب به من إنصاف، لاستعادة ما انتُزع منها ووسّع دائرة حرمانها. إسراف في التنكيل حرمها من أن تعيش الحياة بكرامة وعزة نفس...
 
الباتول امرأة اختارت أن تقابل الإجحاف بالتصدي، وبرفع راية العصيان والتمرد لتستعيد حقها وكل ما أخذ منها أو سيقت للتخلي عنه. تنتهي بها المقاومة إلى الزج بها في المارستان وتشديد الخناق عليها لتخرّ قواها ولجرّها إلى إعلان الاستسلام...
 
في محيطها الجديد، فُرضت على الباتول الإقامة في فضاء يضيق بأمثال حالتها، نساء ورجال سُلبت منهم حقوقهم وانتُزعت منهم إنسانيتهم، حتى صارت حركاتهم تتشابه، يعيشون في نمطية لا تزيد عن الإفصاح بكونهم أحياء، أجساد تعيش عوالم بلا آفاق، فيما حافظت الباتول على التفاعل مع محيطها المغلق بالحد الأدنى من حقها في الوجود...
 
الباتول وحدها لم تستسلم ورفعت راية العصيان، كشفت عن هوية كل من كان وراء مأساتها، واستدرجت الآخرين لفضح دواعي الزج بهم وكيف سِيقوا إلى ما هم فيه. يستعيد كل واحد مأساته بسرد كيف سيق إلى حيث أريد له أن يفقد كل صلة بالحياة. تحتد ردّاتُ فِعلهم، وتنكشف حقيقة كل من كان وراء الزج بهم في سراديب الإهمال والإذلال. ثلّة تعكس في محنتها ما يعيشه كل من يطالب بحقه في العيش الكريم، وبأن يستفيد من الحد الأدنى بما يسمح أو يساعده للاستمرار في الحياة...
 
في سرد مختلف الحكايات، تتجلى حقيقة الظاهرة الاجتماعية الناتجة عن سلوك معتاد في تصنيف كل طالبِ حقٍّ في خانة المجانين أو الخارجين عن الطوع. وهو ما تعكسه المسرحية في آخر مشاهدها، حين يلتحق الطبيب نفسه بمرضاه، ويصير واحدا منهم...
 
لابدّ في تفاصيل العرض من تحقيق الفرجة، وحصر انتباه الحضور ليقوّي تركيزه قصد استيعاب كل المرامي، ومساعدته على بلورة ردة فعله في التفاعل على أي مستوى وجداني وفكري، مع الحفاظ على المسافة، التي تسمح بمختلف القراءات، ودون حصر وجهة الخلاصات. وهذا ما يسمح بالاعتقاد بأن الأستاذ عبد المجيد سعد الله كمخرج اعتمد كل آلياته المعتادة لتقوية الحضور الذهني عند الجمهور في ضبط مختلف ردود الفعل في متابعة العرض وتأمل مختلف المآلات. ساعد في الرفع من مستوى كل ذلك أداء الممثلات والممثلين المتوازن، الذي ساهم في ضبط الإيقاع، إلى جانب مختلف المؤثرات الصوتية والضوئية، التي زادت المشاهد جمالا...
 
___________
دجنبر 2023