الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أحمد حبشي يكتب عن مسرحية "الخريف": رجات الحياة!

 
أحمد حبشي
 
خريف الأيام أو مسارات الانكسار، حيوات تداري أشجانها في لحظة انهيار، شدة المعاناة. تتعدد مظاهر القسوة وتسمو صولة ردّات فعل المكلوم لاستعادة وهج الحياة.
 
مسرحية "خريف" لأسماء هوري
 
مسرحية "خريف" لفرقة "مسرح أنفاس" المغربية، عُرضت في العديد من الدول، من المغرب والجزائر إلى الإمارات ومصر، وتُوّجت بالعديد من الجوائز الفنية، وكان آخر عرضٍ لها، في سلسلةِ عروضٍ مازالت متواصلة، يوم الاثنين 30 أكتوبر 2023، في مسرح ابن مسيك في الدارالبيضاء.
يدور العرض المسرحي حول امرأة تصاب بمرض السرطان وتسرد حكايتها ومعاناتها وتخلّي زوجها عنها، وهو من تأليف الإعلامية فاطمة هوري، التي توفيت بعد صراع مرير مع مرض السرطان، وأعادت كتابته ركحيا (دراماتورجيا) وأخرجته شقيقتها الصغرى أسماء هوري، ومن بطولة بشرى شريف وسليمة مومنى، وأداء زينب الناجم وزينب عالجي وفتيحة الوردي، ومن تأليف موسيقي لرشيد البرومي، وعزف حي لرشيد البرومي وأسامة بورواين، وإضاءة هشام عبو، وملابس أمينة البحراوي، وتصوير آليس دوفور فرانس...
 
في مسرحية "الخريف" لمسرح أنفاس، تُثار ردود فعل امرأة عاشت، بمرارةٍ، قسوة تخلّي زوجها عنها لحظة إصابتها بمرض السرطان، لم يتردد في التخلي عن كل واجب نحو رفيقة دربه، وتركها وجها لوجه مع معاناة تزيد من مرارة المرض والرهبة من فقدان كل صلة بالحياة، لم يسعَ، بأي شكلٍ، إلى مد روابط المودة ومواساتها والسكون إليها. وضعَ مسافةً بينهما بشكل عمق عزلتها وزاد من وقع المرض على نفسيتها، رفعَ من منسوب شعورها المخيف، أنها انتهت كامرأة أو زوجة فقدت كل مقومات الحياة.
 
عرض إشكالية العلاقات الزوجية ومختلف ظروف تطورها، وكيف تدهورت علاقات المودة وتحوّلت إلى مشكل مستعصٍ في التواصل، مع تنامي كل أساليب الصد ومظاهر الجحود والضغينة، كل ذلك يكشف مستوى انهيار بعض القيم النبيلة، التي تقوّي الروابط الإنسانية، وتزيد من وشائج التآزر والتودد في أقسى اللحظات.
 
قد يطول الحديث وتتشعب التحاليل من مواقع مختلفة، في محاولة للوقوف على الدواعي ومجمل الإشكالات المجتمعية، المرتبطة بظواهر تتخذ أشكالًا موشومةً بالضغينةِ وكلِّ ما يزيد الأوضاع تأزما، وتنتج سلوكيات البعض اتجاه الآخر، غير مقبولة إنسانيا ولا تتناسب والسعي العام لترسيخ كل أشكال المودة، والرقي بالممارسات المجتمعية الرامية إلى ترسيخ القيم الإنسانية النبيلة.
 
العرض المسرحي، الذي أنجزته فرقة مسرح أنفاس، كان في الأداء العام عبارة عن ردة فعل، يحاول فضح وإدانة زوج متقاعس تنقصه المروءة ومقومات السلوك البشري المتزن، الذي يسمو بالنوع البشري ويميزه عن باقي الكائنات.
 
ساهم الإخراج، إلى جانب الأداء المتميز للممثلات، في استيعاب الجمهور الحاضر إلى عمق الإشكال وخصوصية الموضوع. كل مكونات العرض كانت مصاغة بفتية تثير الإبهار وتشد الانتباه. كان أحيانا يصعب وضع مسافة بين الموقف الخاص والتماهي مع ما يعرض بجمالية وقوة في الأداء.
 
ما يثير الانتباه، في إطار سياق النقاش العام، الذي يُتداول حول مدونة الأسرة، هو المقاربة، التي تُبرز قسوة المعاملة ومستوى المعاناة المجتمعية في علاقة غير متكافئة، تتحمل المرأة كل أعبائها وتبعاتها. واقع تُقابله ردة فعل نسائية قوية تجرّد الرجال بصيغة الجمع من كل ما يحققون من خلاله إنسانيتهم. المشهد الأخير في العرض يجلي ذلك من خلال عملية ذات دلالة، حين يتم جمع كل الملابس النسائية وبقاياها، وترك معطف الرجل خارج الدولاب وإحكام إغلاقه، في إشارة إلى أن المرأة أصبحت قادرةً على رفض نوع خاص من الرجال إن لم يستنج غير ذلك ويصحّ القول ويشمل كل أصحاب المعاطف وربطات العنق. هي رجة قد تسفر قوّتها إلى إعادة صياغة مجموعة من المفاهيم والتصورات حول العلاقة بين المرأة والرجل لتصحيح مجمل الاختلالات، لتينع الحياة بما توفره أواصر المودة والتكامل في تجميل شروط العيش الكريم والوفاء المستدام.
 
إن تقديم العرض على شكل لوحات متكاملة في دلالاتها، قوية في إبراز حجم المعاناة وتأثيرها، كان يحتاج إلى رؤية إبداعية تحرص على توظيف كل الحركات والتعبيرات الجسدية، إلى جانب المؤثرات السينوغرافية، لحصر انتباه الحضور وانتزاع إعجابه، وهو ما نجحت المخرجة الشابة أسماء هوري في كسب رهانه بكل مقومات الإبداع الفني...
________
أكتوبر 2023
 
المخرجة أسماء هوري وفي الإطار المؤلفة الراحلة فاطمة هوري
 
مشهد من العرض المسرحي "خريف"