الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

توقيع ديوان "خلاءات".. محمد السكتاوي يجمّع شعوب اليسار ويهديهم بعضَ ما تيسر من شعر

 
أحمد نشاطي
 
كان هذا اليوم، الثلاثاء 6 يونيو 2023، فعلا يوما حافلا في رواق دار التوحيدي (القلعة) في المعرض الدولي للكتاب في الرباط، كانت الكلمة، في صباحه، لواحد من أبطال اختيار ثوري، اختيار دفع ثمنه مناضلون تعرّضوا للإعدام رميا بالرصاص.. أولئك الشهداء، الذين قدمتهم الحركة الاتحادية فداء لحلم ثوري، كان لديهم رفاق، ضمن جيل يساري سيحمل على عاتقه ثِقْل أحلام كبرى، لعلّها كانت أكبر منهم، فدفعوا ثمنها من حياتهم وحرياتهم...
 
عقوبة الإعدام، مهما كانت جريمة الضحية، تبقى جريمةً ردا على جريمة، وبالتالي فهي تعكس نزعة بشرية في الانتقام، وهذا قد يكون من صميم سلوك الأفراد، وليس الدول، إنه قتل باسم القانون!
 
أولئك الشهداء، الذين قضوا إعداما، يبقون جزءا من تاريخنا المغربي، لكن الإعدام غيّبهم إلى الأبد... ولعله لهذا السبب، فضلا عن القناعات بالقيم والمبادئ والحقوق المواطنية والإنسانية في أبعادها الكونية، تصدّر ذلك الجيل، ومعه أجيال لاحقة، حركية المجتمع المدني والحقوقي للمطالبة بإلغاء هذه العقوبة المقيتة... وفي صدارة أولئك وهؤلاء، يأتي الحقوقي، القيادي لفرع المغرب لمنظمة العفو الدولية (أمنستي)، محمد السكتاوي، الذي يخوض نضالا موصولا، ولا يكفّ يشرح ويوضّح أن إلغاء العقوبة ليس الغرض منه الشفقة أو الرحمة كما يسوّق المناهضون ويدّعون، وليست مطالبةً تصبّ في الإفلات من العقاب، ولكنها مطالبة بتنقية قوانيننا المحلية من نصوص اجتهادية تتجاهل أن القانون إنما يوضع لصون الحياة وليس لإهدارها...
 
لكن محمد السكتاوي، اليوم، لم يأت، هنا، في المعرض الدولي للكتاب في الرباط،  ليتحدث عن عقوبة الإعدام، التي يُساق إليها "اللي مشاوْا وما ليهمْ رجوعْ"، ولا عن خروقات حقوق الإنسان في المغرب، وفي العالم، وإنما أتى شاعرا، ليوقّع ديوانه الجديد "خلاءات"، في لقاء حافل احتضنه رواق ناشر المجموعة الشعرية، دار التوحيدي... لكأن السكتاوي والمرادي ضربا موعدًا لبعضِ اللُّقْيا مع وبين كل شعوب اليسار المغربي، بمختلف مواقعهم، السياسية والحقوقية والمدنية... ليس هذا تعبيرا مجازيا، وإنما هو ما وقع اليوم الثلاثاء...
 
كنت أعرف، مسبقا، أنه سيكون يوما حافلا، وكذلك توقّع الناشر والكاتب أحمد المرادي، وكذلك فكّر الناشط الحقوقي مسعود بوعيش، الذي كتب تدوينة فايسبوكية، في هذا اليوم، يقول فيها إنه "سيحج" إلى دار التوحيدي لحضور الاحتفاء بتوقيع الديوان الجديد لمحمد السكتاوي "خلاءات"...
 
المثير، في هذه الالتفاتة الفايسبوكية، هي دلالتها الرمزية: إن موعد اللقاء هذا، اليوم، في "خيمة التوحيدي"، يأتي بعد مرور حوالي 42 سنة على لقاء آخر بين بوعيش والسكتاوي في "خيمة الإسمنت" (سجن لعلو في 11 دجنبر 1981)... فلا غرابة أن تتحوّل "قلعة" التوحيدي إلى محجّ وحجيج أتى من كل فجّ عميق، محج للرفيقات والرفاق، كل ألوان الرفيقات والرفاق، من كل أطياف اليسار، ثم تحوّل "المحج" إلى عرس ثقافي نادر... كان الجميع يتحركون هنا وهناك، يتفرّقون، لكنهم يعودون ليلتقوا ويتجمّعوا وكأنهم ضربوا مواعيد للقاءٍ غني ومثمر توحّد حول السكتاوي، ووجدوا في "القلعة/الخيمة" الحضن الدافئ... بالتعبيرات القديمة، وبتحوّلاتها الحاصلة، كان هناك الاتحاديون بمختلف تلاوينهم، وكانت هناك "إلى الأمام" و"23 مارس" و"لنخدم الشعب"، وكانت "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي" و"الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" و"الحركة من أجل الديمقراطية" و"الديمقراطيون المستقلون"، كان "الاشتراكي الموحد" و"فدرالية اليسار الديمقراطي" و"التقدم والاشتراكية"، وكان هناك معتقلون سياسيون ومختطفون سابقون، حتى أنه لم يبقَ إلا أن يعقدوا "مؤتمرا استثنائيا" لإعادة تجميع اليسار، بفضل وجود عامل مُجمِّع، وهو الحقوقي والشاعر محمد السكتاوي... هذا فقط تعبير مجازي، لا علاقة له بالواقع العنيد، إنه تعبير عن هذا الوضع "الاستثنائي"، الذي يتبوّأه السكتاوي، مما يدحض تلك الحملات الهوجاء المجانية، التي يشنها "الذباب الإلكتروني" ضده، لكن السكتاوي لا يلتفت إليها، فلديه ما هو أجدى وأهم، لديه هؤلاء الوجوه، الذين يَجرّون وراءهم مساحات من الحلم المشترك، أتوا ليعلنوا الحب وانتزاع لحظات للفرح وللحلم وللشعر... فتحوّلت تلك "الخلاءات" في عنوان الديوان، إلى "إعمارات" في تضاريس الروح والكلمات، ونحن يحق لدينا أن نحب الحياة، وأن نحب الشعر، وأن نحب الحلم، وأن نحب شاعرا اسمه محمد السكتاوي، وأن نحبّ "خلاءاته"، التي قال فيها رفيقه أحمد المرادي إن الشاعر يبدو، بطريقته في الكتابة ولغته الشفيفة وأسلوبه الذي يجمع بين تقنية السرد والبعد الفلسفي والتاريخي، وبين توظيف الأسطورة والثقافة الشعبية، كأنه جاء يخلخل بنيةً نمطيةً تتحكم في المنجز الشعري وتقيّده، ويسعى إلى تخليص الشعر من انزوائه في عتمة لغة مبهمة وتهيؤات تفتقد إلى المعنى ونبض الكلمات وحرارة الوجدان والرؤية المُلهمة...
 
الديوان الجديد "خلاءات" للشاعر محمد السكتاوي موجود حاليا في رواق دار التوحيدي C06 في المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، إنه غذاء للعقل والروح، وتحريض على الحلم والحب...