انتخاب النعم ميارة رئيسا للبرلمان المتوسطي.. كابرانات الجزائر "يصطحون" الحائط
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
انتخاب النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين والكاتب العام للاتحاد العام للشغالين والمستشار باسمه، اليوم الخميس 2 مارس 2023، رئيسا للمجلس البرلماني لدول حوض البحر المتوسط، بعدما نال ترشيحه الدعم كمرشح لبرلمانات دول جنوب وشرق المتوسط، بالإجماع باستثناء الجزائر، يعتبر حدثا مهما.
ذلك أن انتخاب ميارة لرئاسة هذه المؤسسة، التي سبق للمغربي عبد الواحد الراضي أن ترأسها قبل انتقاله إلى رئاسة الاتحاد البرلماني الدولي، يكتسي اليوم طابعا خاصا، بالنظر الى كون ميارة يتحدر من أقاليمنا الجنوبية المسترجعة من الاستعمار الإسباني، ومن قبيلة الرگيبات المعروفة بوزنها في التركيبة القبلية للصحراء المغربية غربا وشرقا، وهو ما يؤكد، للخاص والعام، ولكل عين ناظرة، أن سكان أقاليمنا الجنوبية مندمجين في مختلف مؤسسات البلاد المنتخبة، باختيار إخوانهم المندمجين في مختلف المسؤوليات العمومية، ومختلف الديناميات، التي يعرفها المغرب، ولا يغير من هذا الوضع كون قلة قليلة تتتبنى طرحا انفصاليا، انتهت مدة صلاحيته، وتنخرط في خدمة أهداف كابرانات الجزائر الداخلية والجيوسياسية، منذ عقود، بلا كرامة.
رئاسة ميارة للمجلس البرلماني المتوسط لها دلالتها الخاصة إذا ما وُضعت في سياق اندماج النخب المنتمية لأقاليمنا الجنوبية في الدينامية الديبلوماسية المتجهة نحو حل النزاع الإقليمي مع الجيران، بتأكيد الوحدة الترابية للمغرب دوليا، والتصدي للمناورات الخبيثة، والفاشلة لا محالة بإرادة الشعب المغربي برمته، والهادفة إلى إضعاف المغرب وتقسيمه وعزله عن امتداده وعمقه الأفريقيين، امتدادا لمشروع استعماري قديم ارتبط بخلق "الجزائر الفرنسية"، وبفرض الحدود الاستعمارية بالقوة الغاشمة، وما ترتب عن ذلك.
ذلك أن انتخاب النعم ميارة رئيسا لهذه المؤسسة البرلمانية المتوسطية، التي تندرج في اطار هياكل الاتحاد من أجل المتوسط المحدث من أجل تطوير التعاون بين ضفتي البحر المتوسط وتطوير الشراكة التي أطلقها مسلسل برشلونة سنة 1995، يأتي تاليا لمشاركة ثلاثة منتخبين من أقاليمنا الجنوبية في الوفد المغربي، الذي شارك في الطاولات المستديرة التي انتظمت تحت إشراف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة السابق الألماني كوهلر، بحضور ممثلي الدولة الجزائرية كطرف في النزاع الإقليمي، وكانت تمثيلية الدولة الجزائرية بوزيري خارجية متعاقبين، من ضمنهم وزير الخارجية الجزائري الحالي رمطان العمامرة، ما يعني أن الدولة الجزائرية لم تؤكد بذلك فقط أنها الطرف الرئيسي في النزاع، بل تؤكد، أيضا، وفي إطار أممي، أن أعضاء الوفد المغربي المتحدّرين من أقاليمنا الجنوبية المسترجعة ممثلون شرعيون، بالتزكية الأممية لسكان تلك الأقاليم، وأن ادعاء تمثيل بوليساريو لما يسمى "الشعب الصحراوي" باطل، وأن جمهورية الوهم القائمة على الباطل باطلة أيضا، والباطل لابد أن يُزهق طال الزمن أو قصر...
ومعروف أن دولة الكابرانات، الغارقة في الغباء المتأتي من الاستمرار في حساباتٍ أكل عليها الدهر وشرب، قد استفاقوا متأخرين، وقرروا التراجع عن موقفهم بالمشاركة في الموائد المستديرة، التي أقرها مجلس الأمن كآلية لإيجاد صيغة مقبولة من كل الأطراف للنزاع الإقليمي القائم بين المغرب والجزائر، على أساس التأكيد على مشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 وأصبح التنويه بجديته ومصداقيته وقدرته على تشكيل الحل المناسب من ثوابت قرارات مجلس الأمن الثمانية عشرة الصادرة منذئذ...
تراجع الكابرانات ذاك عقّد مهمة المبعوث الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، وجعلهم وجها لوجه مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لكنه لم يغير شيئا من حقيقة أن بوليساريو، المتحكم فيها بالريموت كونترول، فقدت القدرة على الادعاء بأنها الممثل الوحيد للسكان الصحراويين، الذي كان أصلها التجاري، المكترى للكابرانات، وباتت تمثيليتها حتى للأقلية مشكوكا فيها، خصوصا بعد الإحصائيات الأخيرة، التي نشرتها إسبانيا، مؤخرا، والتي تؤكد أن من يقيمون في مخيمات الحمادة في تندوف الخاضعة للجزائر ممن شملهم الإحصاء الإسباني المنشورة نتائجه سنة 1975، يقل عددهم عن 3000 شخص، وهناك بطبيعة الحال بعض الموالين لهم الذين يعيشون في المغرب...
لقد بات ضروريا، مادام الأمر يتعلق بقرار آمر لمجلس الأمن، أن يتم إحصاء اللاجئين في حمادة تندوف من ذوي الأصل الصحراوي، وبالتالي تمتيعهم بحقوق اللاجئين من طرف الجزائر، ومن شأن إنجاز هذا الإحصاء من طرف الهيئة الأممية المكلفة أن يزيل الغشاوة ويفضح ما لم يعد مستورا، وينهي الخلط بين الحابل والنابل، ويعري أكثر التمثيلية المزعومة للجبهة الانفصالية، وهو ما يخشاه الكابرانات، لأن كل أوراقهم ستسقط.
انتخاب النعم ميارة أقرأه في إطار هذه المعطيات، ومن المستحيل على أي محلل يعتمد منهجا عقلانيا أن لا يربطها بهذا السياق وإلا كان تحليله شبيها بمن يسعى إلى ملء قربة مثقوبة بالماء. فالأمر يتعلق بتحول آخر، سيكون له أثرٌ، على المستويين المتوسطي والدولي، بوجود ميارة على رأس المؤسسة البرلمانية المتوسطية، حتى وإن كان دورها ونطاقها محدودين بسبب تعثر الاتحاد من أجل المتوسط، ومن المفروض مرافقة الرجل واستثمار ولايته استثمارا عقلانيا ومنتجا، مع توقّع أن يُجنّ جنون الكابرانات وأذنابهم واستخدامهم لدعايتهم البئيسة داخل الجزائر من أجل إخفاء هذا الفشل اللاحق لسيرورة من الفشل يراكمها العمامرة ومن معه في مختلف المحافل، ويزعم بلا حياء أنها سيرورة انتصارات، انتصارات تقود إلى الحائط...