الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

استعمال الأمازيغية في الإدارات.. أكذوبة الخميسات

 
عبد الله بوشطارت
 
 
للأسف الشديد، ما صرحت به حكومة عزيز أخنوش، يوم الثلاثاء 10 يناير 2023، في إنزالها الوزاري الكثيف بمدينة الخميسات، عاصمة القبيلة الأمازيغية المهمشة زمور، يضر كثيرا بصورتها كحكومة لبلد عريق كالمغرب، و بشكل عام، بسمعة البلد، الذي قطع اشواطا مهمة في تدبير التعدد الثقافي واللغوي، وفي إنصاف اللغة الأمازيغية، الذي بدأ بشكل فعلي منذ خطاب أجدير سنة 2001.
 
الحكومة قالت إنها أطلقت اليوم مشروع تعزيز اللغة الأمازيغية في الإدارة العمومية. هذا المشروع الذي انتقدناه سابقا وقلنا إنه لا يرقى إلى حجم الانتظارات، وغير منسجم نهائيا مع ما تم التنصيص عليه في الدستور ولا في القانون التنظيمي لتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في التعليم والقطاعات ذات الأولوية، هذا البرنامج الحكومي الهزيل جدا، يقتصر على تشغيل أعوان موسميين عن طريق التعاقد في إطار المناولة، ليتم الاستعانة بهم في بعض الإدارات العمومية لتوجيه وترشيد المواطنين المرتفقين إلى هذه الإدارات في قطاعي الصحة والعدل، وسيتم تجريبها في بعض الأقاليم فقط وليس على مجموع التراب الوطني...
 
هل هذا كل ما تستحقه الأمازيغية بعد الدسترة؟ هل هذا كل ما وعد به رئيس الحكومة في حملته الانتخابية، أن يشغّل أعوانا موسميين لترشيد المواطنين بالأمازيغية...؟!
 
هل هذا هو جوهر إنصاف اللغة الأمازيغية، التي عانت من الإقصاء والإقبار والتهميش طيلة 60 سنة بعد الاستقلال؟!
 
الحكومة روّجت، في لقائها بمدينة الخميسات، لنفس الكلام الذي قيل سابقا ويقال دائما، نفس الأرقام، 200 مليون و300 مليون وصندوق الأمازيغية دون أن تعطي تقييما ملموسا لمردود ما تقوم به خدمة للأمازيغية في جميع تجلياتها، في الثقافة والفنون والإعلام والتعليم والإدارة وغيرها... الحكومة ليست لها حصيلة تذكر في هذا الميدان، لا تزال تتحدث بمنطق الوعود الانتخابية، كلام في كلام، وإطلاق الأرقام والشعارات الفضفاضة من أجل الاستهلاك الإعلامي حتى تظهر الحكومة أنها تشتغل في إطار مأسسة الأمازيغية...
 
أما في الواقع، فالأمازيغية تعيش تراجعات ونكوصية خطيرة في ظل هذه الحكومة، بدءا بالتعليم، من خلال عدم الرفع من أساتذة اللغة الأمازيغية في مشروع الميزانية لسنة 2023، وعدم انتقال تدريس اللغة الأمازيغية إلى المستوى الإعدادي وبقيت حبيسة التعليم الابتدائي منذ سنة 2003، عدم تفعيل التعميم وبقيت الأمازيغية محصورة في بضعة مدارس قليلة جدا في المغرب، مما جعل الأمازيغية تعيش شبه حصار داخل وطنها وداخل المدرسة العمومية... الأكثر من ذلك، الحكومة الحالية قامت بإلغاء تخصص تدريس الأمازيغية، وبالتالي نهاية الاستاذ المتخصص في الأمازيغية بالمدرسة العمومية، مما يعني أن 400 منصب لتدريس الأمازيغية، الذي منحته الحكومة هذه السنة للأمازيغية باليد اليمنى ستنزعه باليد اليسرى، لأنه في الغالب الأستاذ الذي من المفروض أنه سيدرس الأمازيغية سيتحول إلى الأستاذ المزدوج، وسيدرس العربية والفرنسية والرياضيات...
 
هل هذا هو مشروع تعزيز استعمال اللغة الأمازيغية داخل الإدارات؟ هل يمكن لأية لغة أن تستمر وتتحول إلى لغة الإدارة ولغة الدولة ولغة الوظيفة دون إدراجها في منظومة التربية والتكوين ودون تعلمها وتدريسها واتخاذها كلغةٍ لتدريس مواد أخرى...
 
في الإعلام، الذي يعتبر قطاعا حيويا لإنصاف الأمازيغية وإدماجها وإحيائها من جديد، ماذا قدمت وماذا أنجزت فيه الحكومة الحالية التي تتشدق بالأمازيغية؟ لا شيء، أقول لا شيء. حصة الأمازيغية في الإعلام العمومي هزيلة جدا جدا، إن لم أقل منعدمة، فوضعيتها كارثية بكل المقاييس، قناة تامزيغت بقيت في وتيرة بثها المحدودة في 6 ساعات منذ 2010 تاريخ تأسيسها سنة قبل ترسيم اللغة الأمازيغية، مع احتساب 30% من البرامج الناطقة باللغة العربية، وهي الحصة التي تحترمها القناة منذ انطلاقها، مع العلم أن القنوات العمومية لم تحترم حصة 30% من وتيرة بثها باللغة الأمازيغية، وظلت تبث برامجها باللغة العربية والفرنسية فقط... لذلك لم نلاحظ أي تقدم ملموس في إدماج اللغة الأمازيغية في القنوات التلفزية العمومية، ونفس الشيء في الإذاعات والعامة والخاصة... وهذا ما يجعل الأمازيغية تعيش تدهورا مستمرا سيؤدي لا محالة، إن استمر، إلى انقراضها...
 
ونفس الشيء وقع في البرلمان، نلاحظ ارتجالية كبيرة واستخفافا بمكانة اللغة الأمازيغية في مجلس النواب، الذي يترأسه حزب رئيس الحكومة، وهو مجلس أعلن عن مباراة توظيف 6 أطر إدارية للترجمة إلى الأمازيغية، وبعد أن اجتاز المرشحون المباراة تم إلغاؤها بدون إعطاء تبريرات معقولة ومنطقية، وبقيت الترجمة في مجلس النواب مستمرة بطرق هشة تتم بصيغ المناولة...
 
نحن في الحركة الأمازيغية، نرى ونقيس القرارات والبرامج والمشاريع بالملموس وبالمردودية التي تمنحها هذه البرامج للأمازيغية في الواقع داخل المجتمع وداخل الشارع وداخل الإدارات وداخل المؤسسات، نقيس إرادة الحكومة في تفعيل الدستور والترسيم بعدد الوظائف المخصصة للأمازيغية في القطاعات ذات الأولية، التعليم والإعلام والادارة والثقافة والقضاء والترجمة والتعليم العالي والبحث العلمي والفنون... نقيس ذلك أيضا بوقع مخططات الحكومة فعليا على واقع الفنانين والمبدعين بالأمازيغية وبالصناعات الثقافية الأمازيغية في السينما والمسرح والدراما وغيرها... نقيس نية الحكومة ومشاريعها في انعكاساتها على التراث الفني الأمازيغي المادي وغير المادي في إنصاف وتثمين المعالم الحضارية الأمازيغية، وكذلك في الحفاظ على الذاكرة وتجذير ثقافة حقوق الإنسان...
 
أما أن تردد الحكومة أرقامَ وشعاراتِ مكاتب الدراسات، التي تم حبكها وتوضيبها في إطار الحملة الانتخابية... فتلك الوعود والأكاذيب لن تنطلي علينا...
 
الحكومة أرادت التغطية عن عجزها وفشلها في عدم اعتماد يوم رأس السنة الأمازيغية كعيد وطني ويوم عطلة، كما هو معمول به في الجزائر وليبيا، وقامت بهذا الإنزال إلى مدينة الخميسات لاجترار كلام قيل في عدة مناسبات دون جدوى...
 
هل هي أكذوبة الخميسات؟!!