محمد الغلوسي: هذه هي الإجراءات المنشودة لجعل مكافحة الفساد والرشوة أساسية وحاسمة
الكاتب :
"الغد 24"
محمد الغلوسي
بالتعيين الملكي لأربعة أعضاء في الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وخروج القانون رقم 46/19 في وقت سابق والمنظم لاختصاصاتها ومهامها، تكون هذه المؤسسة الدستورية قد استكملت الجانب المؤسساتي والقانوني كآلية من آليات النظام الوطني للنزاهة بعدما عاشت جمودا لمدة طويلة...
هذه الهيئة أُسِّست طبقا لمقتضيات الفصل 36 من الدستور، وتنفيذا لالتزامات المغرب الدولية في مجال مكافحة الفساد بعدما صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2007... وباستكمال الهيئة لتركيبتها العضوية، التي يبدو أنها تتكون من شخصيات متنوعة الانتماء المهني (خبراء، قضاة، رجال قانون…)، فإن تحديات صعبة تنتظرها ويراهن عليها في تدشين مرحلة جديدة ونوعية تقطع مع سياسة التردد في مكافحة الفساد والرشوة، خاصة وأن القانون المنظم لها قد أمدها بصلاحيات جديدة، علما أن مفهوم الفساد الوارد في القانون ذاته قد توسّع نطاقه، كما أن للهيئة إمكانية التصدي التلقائي لحالات الفساد التي تصل إلى علمها من كل الجهات، سلطات عمومية وأفرادًا، وتتمتع أيضا بصلاحية الإحالة التلقائية على القضاء، وغير ذلك من الصلاحيات المهمة الواردة في هذا القانون...
هي تحديات جسيمة بالنظر إلى حجم وخطورة ظاهرة الفساد والرشوة، التي تستنزف ما يقارب 5% من الناتج الداخلي الخام، فضلا عن استنزاف ما يقارب 50 مليار درهم سنويا في مجال الصفقات العمومية، ناهيك عن التداعيات السلبية للظاهرة على كافة المستويات وتأثير ذلك على كل البرامج والسياسات الموجهة للتنمية...
ويبدو أن الرهان اليوم معقود على الاستثمار لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتقوية قدرات الاقتصاد الوطني في مواجهة تحولات دولية مضطربة... لذلك، فإن جعل الاستثمار محور السياسات العمومية يتطلب تنقية مناخ الأعمال وضمان تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة في الولوج إلى العقار العمومي والتمويل ومحاربة كل أشكال الاحتكار والتركيز الاقتصادي وإضفاء شفافية أكبر على الولوج إلى كافة أشكال الاستثمار، وهو ما يجعل مكافحة الفساد والريع والرشوة من أولوية الأولويات، وتلك أيضا من مهام الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إلى جانب طبعا مجلس المنافسة...
يبقى الإطار القانوني والمؤسساتي مهما لمكافحة الفساد والرشوة، لكنه يظل ناقصا إذا لم يكن مصحوبا بإطار تشريعي عصري يتلاءم والمقتضيات الدولية ذات الصلة، وهكذا فإن الحاجة أصبحت ملحة لتعديل قانون التصريح بالممتلكات، وإعادة النظر في قانون الصفقات العمومية، وتجريم الإثراء غير المشروع، وتضارب المصالح، وتعديل قانون حماية المبلغين عن جرائم الفساد في اتجاه توفير حماية أكثر فاعلية للمبلغين، وغيرها من الإجراءات الهادفة إلى الوقاية من الفساد والتصدي للظاهرة... وفوق هذا وذاك، تبقى الإرادة السياسية في مكافحته أساسية وحاسمة...