الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

"حدهوم" رواية جديدة للدكتور محمد مهيب.. سيرة امرأة تحدت واقعا يكبل الناس بالجهل والسلطة

 
عزيزة الساعدي
 
صدرت الطبعة الثانية للترجمة العربية لرواية الدكتور محمد مهيب "حدهوم" عن منشورات النورس، رواية تحاول أن ترصد تحولات المجتمع المغربي من خلال هذه الرقعة الأمازيغية الصغيرة في أحد هوامش الأطلس، من خلال "حدهوم"، التي تمثل سيرة امرأة تحدت واقعا يكبل الناس هنا بالجهل والأمية وثقل التقاليد البالية وصرخت عاليا في وجه الظلم.. ومن خلالها يرصد السارد العالم بكل شيء، سيرة مدينة هامشية تناضل في سبيل تحسين شروط وجودها ومن أجل مستقبل أفضل.. إنه نفس المجتمع الذي كانت تستقي منه الباحثة الكبيرة فاطمة المرنيسي موضوعاتها وأبحاثها المثيرة.

تتآلف الشخوص والحكايات في فضاء قاسي يذله القهر والتهميش والموت بكل أشكاله، لكنها تقاوم بلا هوادة من أجل الحلم حتى.. وإن تحول إلى غبار بسبب الدسائس والخيانات التي لها طعم مر.

 يقول المترجم: عبد الغني طرون: "حَدْهُوم" أو مسار امرأة مناضلة. اختار الكاتب إطلاق اسم الشخصية الرئيسية على عنوان الكتاب، وهو ما يبين الدور الرئيسي الذي تلعبه هذه الشخصية في الرواية. لقد شاءت الأقدار أن ترى حدهوم النور في زمن صعب، في ظروف بيئية صعبة وفي جو عائلي غير مريح. ازدادت حدهوم في وقت كان يعرف فيه المغرب المجاعة، في مكان تضاريسه وعرة ومناخه قاس وسط عائلة تقاوم من أجل البقاء. هذه الظروف وعوض أن تنال من هذه البطلة، زادتها صلابة ومقاومة وصنعت منها امرأة مناضلة بكل المعايير. فهذه العصامية لم تدخر جهدا لسبر أغوار المعرفة وكسر أغلال الجهل والأمية. بل أكثر من ذلك ولجت غمار السياسة بكل ما يعرفه هذا الميدان من حدة وسيطرة ذكورية والتي لم تنل من لطافة جنسها.

لقد برع الكاتب في نهج أسلوب متنوع في الكتابة. ومن خلال شخصيات الرواية استطاع تمرير رسائل مهمة اختلفت باختلاف المواقف والظروف. فتارة تراه يلبس عباءة المؤرخ الذي يهتم بالأصول القبلية لكل منطقة والأحداث التاريخية التي عرفتها تلك المناطق من حروب وانشقاقات وتحالفات أثرت على تشكيلة تلك القبائل، وتارة أخرى تراه يتقمص دور السوسيولوجي الذي ينهج قراءة مجتمعية متفحصة، والفحص هذه المرة ليس بالصدى ولا بالأشعة، ولكن من خلال نظرة كاتب يحس بنبض المجتمع. وقد يتعدى الأمر ذلك ويظهر في صورة السياسي المدافع عن الديمقراطية والذي تدفعه غيرته الوطنية وواجبه الإنساني لفضح كل مظاهر الفساد، وخاصة ما يتعلق منها بتسيير الشأن المحلي المنطلق الرئيسي لكل تنمية منشودة".

 لا يمنح السارد صوته لشخوصه بقدر ما يجعلهم يتحدثون بلغتهم العادية، لغة الجسد ليرسموا محنهم، انتصاراتهم وانكساراتهم، هنا قوة الدكتور محمد مهيب وهنا جمالية قصة لا عيب فيها سوى أنها قصيرة، تود أن تطول لترى حلم حدهوم يتحقق في نهاية صراع مرير من أجل الحب، الحرية، الصدق والعدالة البشرية. لا يحفل كاتب هذه القصة بتفاصيل رسم شخوصه وفي التيه في توصيف الفضاء، لأن القصة تحمل أطروحة، لكنها لا تسقط في الحكي الفج، بل تمنح كل التفاصيل معنى، "حدهوم" هي رواية الأطروحة، لكنها لا تتخلى عن شعرية اللغة.

تعكس هذه القصة التي صدرت طبعتها الأولى باللغة الفرنسية قبل عقدين وترجمتها الأولى عام 2006، وتصدر اليوم في طبعة ثانية أنيقة ومنقحة عن منشورات النورس، تنوعا نادر الحدوث في مسار كاتب، طبيب، مؤرخ، باحث في المستحثات والأحجار وعاشق لها، بالإضافة إلى روح الحكي الذي يسكنه حتى النخاع، إنه الدكتور محمد مهيب.