الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

جلاد درب مولاي الشريف.. بعضٌ مما تيسّر من محاسن المقبور قدور اليوسفي

 
محمد نجيب كومينة
 
 
رحل قدور اليوسفي، جلاد وقتّال معتقل درب مولاي الشريف خلال سنوات الرصاص، بعد سنوات قضاها مريضا ومنبوذا تطارده لعنات ضحاياه في كل أنحاء البلاد، ومن بينهم كاتب هذه السطور، الذي قضى سبعة أشهر كاملة تحت رحمته، مقيد اليدين معصّب العينين ممنوعا من الحركة وحتى من النوم على "جنب" ومعرضا للتعذيب حتى لدى الذهاب إلى قضاء الحاجيات الطبيعية...
 
كل من مر من معتقل درب مولاي الشريف يذكر المقبور، الذي كان يتلذد كل ليلة بممارسة هواية التعذيب كما لو أنه يمارس لعبة الگولف، ويحب أن يسمع صراخ شباب في عمر الزهور تحت وطأة الضرب والطيارة، التي تُشعر المرء بتوقف الحياة في جسمه، والماء الوسخ والكهرباء وغير ذلك مما تعرضتْ له مختلف المجموعات التي تعرضت لسادية الرجل ومعاونيه الذين كان البعض منهم من فصيلة الوحوش الضارية، التي تتهيج أكثر لدى رؤية الدم ينزف من الجراح أو لدى انهيار الفريسة...
 
أذكر أنني كنت أول من كتب مقالا عن قدور اليوسفي عندما تم تعيينه مديرا للشرطة القضائية في بداية تسعينيات القرن الماضي، واستطعت تمريره في الصفحة الأولى من "العلم" في غفلة من الجميع، وأذكر أن المقال، الذي صدر يوم اثنين، خلق ضجة كبرى، إذ ذكرت فيه "كل محاسن قدور اليوسفي"، وتساءلت هل جزاء الجلادين هو الترقية، كما ذكرت فيه أسماء عدد من معاونيه، الذين برعوا في التعذيب، وكنت قاب قوسين من التوقيف من "العلم"، لكن اتصال عدد من السفارات، التي لم تكن لي بها أي صلة، وعلى رأسها السفارة الأمريكية، التي داومت الاتصال بالجريدة لفترة للسؤال عني، لأنني "كشفت أحد أسرار المعبد"، الذي ظل حبيسا، وكنت ممن تصدوا لمحاولات تبييضه من طرف صديقه إدريس البصري، حيث صرخت، دون تردد، عندما دخل لجنة برلمانية، وأخبرت، بصوت عال، البرلمانيين بمن هو قدور اليوسفي، الذي قدمه البصري بصفة "رجل وطني"، وكانت النتيجة أن اجتماع اللجنة البرلمانية أُلغي وقتئذ، وأُجل إلى يوم آخر، حيث انعقدت دون حضوره...
 
أديت ثمن ذلك في وقت كان فيه المغرب بصدد الخروج من سنوات الرصاص واعتماد المنظومة الكونية لحقوق الإنسان، لكنني لم أتوقف عن أداء الفاتورة حتى بعد ذلك، وبعد وبعد، لأن امتدادات وأشباه قدور اليوسفي موجودون ومستمرون، وليس في البوليس وحده، وهم يربطون وجودهم وسلطتهم ومنافعهم بممارسة تصفية ما تبقى من رصيد المغرب في ميدان التعددية السياسية والإعلامية والثقافية الحقيقية، وفرض القيود على الحريات، والسعي إلى خلق القطيع...