فرنسا أمام زلزال.. هزيمة مدوية لائتلاف الرئيس واختراق استثنائي لليمين المتطرف وعودة قوية لليسار
الكاتب :
"الغد 24" والوكالات
عبد الكريم غيلان
وأخيرا، أغلق الفرنسيون قوس الانتخابات التشريعية، في جولتها الثانية، التي جرت أطوارها أمس الأحد 19 يونيو 2022، على نتائج مثيرة للغبار، ستخلط أوراق السياسة الفرنسية، إذ مني فيها الائتلاف الحاكم "ائتلاف معا" بزعامة الرئيس إيمانويل ماكرون، بفشل ذريع، أفقدته الأغلبية المطلقة، التي كان يتمتع بها في الجمعية الوطنية، في الولاية السابقة، والتي كانت تمده بسلطات واسعة، بحصول الائتلاف على 230 مقعدا فقط، من أصل 577 مقعدا، ما يجعله بعيدا جدا عن الأغلبية المطلقة، التي تتطلّب 289 مقعدا.
بالموازاة مع هذه النكسة السياسية الكبيرة، حقق "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان اختراقا غير مسبوق بدخوله المثير إلى الجمعية الوطنية بكتلة تعدادها 89 مقعدا، لم يسبق للحزب حتى مجرد الحلم بها، منذ تأسيسه في مطلع سبعينيات القرن الماضي... أما الاتحاد الشعبي اليساري بقيادة جان لوك ميلنشون، فقد كان انتصاره منتظرا، بكتلة واسعة تبلغ 149 مقعدا، ليصبح أول قطب معارض في فرنسا...
بقراءة لهذه الأرقام، وما يوازيها من علاقات مضطربة، بل وحدّية، تكون فرنسا بصدد الدخول إلى المجهول، مجهول سياسي غير مأمون العواقب، وهذا ما عبّرت عنه رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، حين اعتبرت أن هذه النتيجة تشكل خطرا على البلاد، ويكفي التأمل في تصريحاتها الإعلامية، عقب ظهور النتائج النهائية، لنتبين حجم الضياع الذي تحس به، إذ قالت بورن إن حكومتها ستتواصل الآن مع شركاء محتملين سعيا لحشد أغلبية تدعمها، دون تحديد هؤلاء الشركاء المفترضين، رغم أنها حاولت التغطية على هذا الضياع بالقول: "سنعمل ابتداء من الغد من أجل تشكيل أغلبية لضمان الاستقرار لبلدنا وتنفيذ الإصلاحات اللازمة"...
عمليا، لا يكاد يختلف المحللون أن المشهد السياسي، بهذه النتائج الغبارية، يتجه نحو مخاطر الاحتمالات المنغلقة، التي قد تنفجر خلال السنوات الخمس المقبلة، أو على الأقل ستسود حالة من عدم الاستقرار السياسي في فرنسا، في ظل رئيس مقصوص الجناحين، خصوصا بعدما تعوّد على التحليق بسلطات واسعة مستقويا بأغلبيته المطلقة في مجلس النواب!
وهذا ما ركّز عليه جان لوك ميلونشون، زعيم "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد"، الذي اعتبر أن خسارة ائتلاف ماكرون للأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية هو "قبل كل شيء فشل انتخابي" للرئيس الفرنسي، وأنه ليس هناك أغلبية، ثم قال: "لقد حققنا الهدف الذي سطرناه ألا وهو إسقاط الرجل الذي أراد أن يحكم فرنسا بمفرده"...
وحول هذا المعنى، تكاد تتوحّد منابر الإعلام الفرنسي، الصادرة اليوم الاثنين 20 يونيو 2022، إذ بتصفّح سريع على الشبكة العنكبوتية، سنجد، مثلا، كلمة "صفعة" لماكرون (ليبراسيون) وكلمة "الزلزال" في توصيف النتائج (لوبينيون)، أما مآلها فوُضع له عنوان "فرنسا المشرذمة" (لاكروا)، أو "استحالة الحكم" (لوباريزيان) وكذا (لوفيغارو)، التي اعتبرت أن "رئيس الدولة بات أمام حقل الغام"، وأن هذا "الاستحقاق الانتخابي قلب المعادلة وجعل الاقتراع ضد ماكرون يتغلب على الاقتراع ضد لوبان"، معللة ذلك بأن "إرادة التغلب على رئيس الجمهورية، أو على الأقل نية تلقينه درسا، جمعت عددا كبيرا من المقترعين من مختلف المشارب"...
وتبقى الحصيلة أن الفرنسيين تمكّنوا، فعلا، من معاقبة ماكرون، لكنهم، في نفس الوقت، وضعوا فرنسا تحت بركان قابل للانفجار، من خلال الموقع، الذي منحوه لليمين المتطرّف، الذي أصبح، للمرة الأولى في حياته، على رأس كتلة برلمانية أكبر بكثير من كتلة حزب اليمين التقليدي "الجمهوريين"، وهنا الخطر الأول، فيما الخطر الثاني هو احتمال سيادة سياسة الجمود في تدبير الشأن العام الفرنسي، بسبب وضع الرئيس رهينة بيد تحالف أغلبي مفترض لم يكون ماكرون متحكما فيه بأي شكل من الأشكال...