الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

رحيل المناضل الصدّيق لحرش.. عاشق الحلم والأمل ودفاتر الحب والورد والوطن

 
ووري الثرى، قبل قليل، في محفل مهيب، بمقبرة الشهداء بالرباط، جثمان المناضل المغربي الكبير، الصدّيق لحرش، الذي كانت وافته المنية، يوم أمس الثلاثاء 14 يونيو 2022، بعد مرض عضال، قاومه بشموخ وإصرار، وعندما تكلّمه بالهاتف يأتيك صوته متهدّجا، تعرف أنه يتألم، لكن نبرات صوته تكاد تخرج لك من الهاتف لترسم لك صورة الرفيق لحرش وهو يبتسم، رغم كل المحن التي مر منها، والبطش والقهر والتعذيب والتغييب خلف القضبان، أكاد أجزم أن أزيد من ثلاثة أرباع عمره موسومة بالابتسام، سلاحه الجميل الذي يشهره في وجوه جميع الأحبة، مَنْ مِنَ الرفيقات والرفاق لم يحب الصدّيق لحرش..
 

تعرّفت على الرفيق الصدّيق لحرش عندما كان يأتينا بوجهه الصبوح وبسمته الوضّاءة في مقر جريدة أنوال، لم يكن يضاهيه في ارتياد المكان إلا الرفيق عبد الحميد أمين، الذي لم يكن يهدأ له بال، كان يأتينا محمّلا ببيان، يفضح ويشرّح ويتضامن ويندد ويستنكر، من قضايا العمال الفلاحيين، وعموم العمال، وكافة المستخدمين في مختلف القطاعات النقابية، إلى القضايا الحقوقية، وما أكثرها، بكل تشعّباتها في ذلك الزمن الأغبر، الذي كانت فيه أم الوزارات ترصد أنفاس المواطنين وتكتم أنفاس المناضلين... لا يكاد أمين يغيب عن البال حتى يظهر لحرش، ببسمته الوديعة وضحكته المحبوبة، يكفي أن تقف معه، أن تستمع إليه، حتى تحسّ وكأنك دخلت حمّاما وخرجت منه وأنت أنقى وأرقى ومطهّر من كل أدران الوقت الطافح، سنواتئذ، بالبطش والطيش والعسف المكين، فتضحك وتبتسم، وتتعجّب من أين للرفيق الصدّيق لحرش كل هذه الطاقة على الحب والحلم، وعلى شحن الآخرين بالطاقة الإيجابية...

وفي خضم ذلك، ظل الرفيق الصدّيق لحرش منشغلا مهموما بالمستقبل، وبالقدْر نفسه يستذكر جيدا تلك السنوات، التي مضت في الظلام ودهاليز الغبار وبرودة الزنازين وصور وسورة القضبان، يستذكرها لنبقيها حيّة فينا حتى نعمل جاهدين من أجل ألا تتكرّر، وكان يتألم بعمق عندما تتكرر، وطالما تكرّرت، عندما بدأت شعلة الاحتجاج الشعبي تنتقل إلى الهامش، وانطلاق ما يسمى "الحراكات"، في الحسيمة وزاكورة وأوطاط الحاج وجرادة... وفي كل محطة، كان عسفٌ وجراح وقهر وقمع ومعتقلون... كان يتألم، لكن ظل يواجه كل الانتهاكات بالأمل، فيبتسم، ويوزّع على الجميع طاقته الإيجابية بلا حسبان... وفي كل صباح ومساء، كان يطل من صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، ليعلن حبه على الجميع، ويهديهم ورودا وأزهارا ورياحين، ليهديهم حلما وأملا في مغرب جميل، وفي حياة جميلة...
 
آخر منشور فايسبوكي للفقيد الصدّيق لحرش
 
الصدّيق لحرش، المناضل اليساري الصادق والصديق والصدوق، من الأطر المؤسسة لمنظمة إلى الأمام، شملته حملة الاعتقالات التي جمعت مناضلي إلى الأمام و23 مارس، في ما عرف بـ"مجموعة السرفاتي ومن معه"، حيث قضى 10 سنوات في السجن المركزي بالقنيطرة، إلى حين الإفراج عنه سنة 1984. كما كان من الأطر النشيطة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي كانت لها مكرمة الوفاء بتنظيم حفل تكريمي للرفيق الفقيد الصدّيق لحرش وبأمينة بلافريج، يوم الأحد 30 يونيو 2019، بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس الجمعية... وجاء اختيار أمينة بلافريج باعتبارها أول امرأة في اللجنة التحضيرية، والصديق الأحرش باعتباره أول مسؤول إداري للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

في هذا التكريم، كان الرفيق الصديق لحرش، كما العادة، بهيا رائعا جميلا وشامخا، ووهو يعلن، أمام المُكرّمين وأمام الحضور، تمسّكه المصيري بـ"استمرار الحلم واستمرار الأمل واستمرار الوفاء"...

من اللحظات الجميلة، أيضا، التي بصمت حياة رفيقنا الفقيد الصديق لحرش، التكريم، الذي سبق أن نظمته على شرفه، في دسمبر 2011، جمعية سلا المستقبل، برئاسة رفيقه الكبير الحبيب بنمالك، حيث أجمعت الشهادات، التي قُدمت في هذا الحفل التكريمي، على عمق مساره النضالي على الصعيدين السياسي والحقوقي، وعلى خصاله كإنسان ومناضل لعدة عقود من الزمن، مبرزة أن الصدّيق كان، كما يدل على ذلك اسمه، إنسانا صادقا صدوقا.

من ضمن هذه الشهادات، تحدث محمد الصبار، الذي كان آنذاك أمينا عاما للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، عن مسار لحرش، وعن ولعه بكرة القدم، وبالموسيقى والغناء، وانخراطه في درب النصال، الذي قاده إلى الاعتقال سنة 1975 بخريبكة، حيث ذاق أصناف التعذيب داخل السجن، وحيث اقتسم الزنزانة مع الرفيق الفقيد إدريس بنزكري. وامتد نشاط لحرش من النضال في إطار الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى القيام بمهام في إطار الأمم المتحدة في اليمن، فضلا عن نشاطه الإفريقي، الذي قاده إلى كل من بورندي ورواندا والكونغو الديمقراطية، حيث اكتشف قيم التسامح، وحيث ساوى بين الصومعة والكنيسة، والإمام والراهب والمحراب والدير والتسبيح والصليب... وكان من الطبيعي أن يقوده نشاطه الحقوقي، كذلك، إلى الانخراط في مسار المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، ليجد نفسه، وهو الكهل آنذاك، بروح الشاب، الذي يعيش فيه أبدا، من خلال الانخراط العضوي في حركة 20 فبراير، بكل ما كانت تمثله لديه من أمل في الربيع المغربي...
 

في ذلك التكريم الجميل لجمعية سلا المستقبل، ستتحدث ربيعة مرضي، أرملة الفقيد إدريس بنزكري، عن العديد من الجوانب المثيرة في حياة وشخصيةِ الصديق لحرش، الإنسانِ الجريء والسخي وذي القلب الكبير. وفي المنحى نفسه، قدّمت الفاعلة المدنية التيجانية فرتات شهادة مؤثّرة من نص كانت كتبته رفقة ربيعة مرضي، عن الفقيدة امّي زهرة، والدة الصديق لحرش، مبرزة كيف كانت أما نادرة بتنظيمها احتجاجات مع باقي الأمهات من أجل تحسين ظروف اعتقال أبنائهن، أولائك الأمهات اللواتي كانت ترعبهن فكرة واحدة، هي الموت قبل ضم فلذات أكبادهن وهم أحرار...

وفي المنحى نفسه، ذهب تدخل الكاتبة والمناضلة الرائدة في حركة عائلات المعتقلين السياسيين، العزيزة حليمة زين العابدين، التي تحدثت عن الصديق لحرش، الذي قالت إنه شكل أسطورة في نضاله وصموده وتحديه، كما تحدثت عن الدور الحاسم الذي لعبته والدته، رفقة باقي الأمهات، في النصال من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، لتتوقف مطولا عند هذه التجربة الرائعة في المغرب، التي كُتبت بنضالات أمهات وزوجات المعتقلين السياسيين وكفاحهن من أجل تحسين ظروف السجن وإطلاق السراح. ولتوفّري على هذه الكلمة، أدرج، هنا نصها الكامل...
 
الفقيدة امّي زهرة والدة الرفيق الفقيد الصدّيق لحرش
 
حليمة زين العابدين: في بيت والدة الصديق لحرش كانت عائلات
المعتقلين السياسيين تخطط لمعارك فضح السجن والسجان
 
صور تتوالى، وشمت الذاكرة، من عمقٍ بعينين صغيرتين تخترق نظرتهما شباك المزار بالسجن المركزي، تشعان بحب لا حدود له، لامرأة تقف بمحاذاة الشباك الآخر، لا يكاد يظهر منها إلا القليل من الجزء الأعلى من الجسد. كانت صغيرة الحجم، نحيفة البنية.. أنيقة رغم قهرها.. جلباب ترتديه ناصع البياض، لثام من حرير شفاف مطرز الحواشي على عادة نساء مدينة سلا، اللواتي تشكل الأناقة الرفيعة جزءا من هويتهن. لثامها يغطي أرنبة الأنف والفم، يبرز عينين هما عينا الصدّيق تماما. عينان صغيرتان.. حادّتا الرؤيا. لثام لا يمنع الفم من قول "لا":

لا لكل الجلادين الذين انتزعوا منها الكبد وأحرقوه في غفلة منها. لا لكل سفاكي الدماء الذين غرزوا أنيابهم في وريد ابنها، ووشموا صدره بأثر كرباج، بحثا عن قلب يعشق حد الجنون وحد الموت وحد السجن.
 
لم تتلاشى "لا" هاته الأم الصغيرة بين جنبات المزار المظلم.. امتد صداها على امتداد الوطن.. وقد خرجت أم الصديق يدها في يد أمهات مثلها وزوجات صودرت كلمة أحبك من على شفاههن، يناضلن جماعيا من أجل تحسين ظروف السجن… يعتصمن بوزارة العدل.. يقتحمن اجتماعات الأحزاب السياسية بمقراتها.. يقدن مظاهرات الطلبة بكلياتهم.. وكان الزمن غير هذا الزمن.. كان زمن الصمت والخوف من أعين الرقباء والمخبرين، تتسلل من بين شقوق الجدران.. وكان الصديق لحرش ورفاقه في إضراب لا محدود عن الطعام.. وكانت أم الصديق ورفيقاتها، أمهات وزوجات المعتقلين ببهو كلية الآداب، يرددن مع الطلبة "هما فين فين الطلبة المعتقلين… في السجون عن الطعام مضربين". تدخل البوليس بهراوتهم وفرقوا جموع المتظاهرين، وبقيت هذه الأم الصغيرة، أم الصديق لحرش، تنظر بعينيها الثاقبة، إلى رجال البوليس يصولون قمعا في بهو الكلية. أثارت حقد رجال البوليس، نظراتها المتطايرة شرر السخط والنقمة والغضب، وكلمات كالسيف الناقع سما، تخرج من تحت لثامها فتصيبهم بالشلل.
 
أم صغيرة أرعبتهم نظرتها.. حاولوا إبعادها، لم تبتعد. أوقفوا سيارة أجرة وأمروا السائق أن يعود بها إلى مدينة سلا.. ما العمل والطاكسي لا يتحرك خارج مدار الرباط.. ولكن السائق أجبر على العودة بها. إنه البوليس السياسي من أمره..
 
اجتاز الطاكسي قنطرة وادي أبي رقراق يحمل أمي زهرة، أم الصديق، بطلة لم يتوقف حكيها عن ولدها الذي عشق عشقا ممنوعا.. يدفع ثمنه باهضا.. دما مسكوبا على شيك موقع على بياض.. قيمته حياة تقبر، وحلم يصادر.. ولم تتوقف مغامراتها لاجتياز الوادي الفاصل بين مدينة سلا ومدينة الرباط.. أصبحت عادتها الخروج من بيت كان موصدا دونها، لم يفتح بابه إلا حين اعتقل ابنها..
 
اعتقال الصديق لحرش ما كان ليهيّج عاطفة الأم فيها… فهي أم ولا تحتاج مساعدا خارجيا لتفتك بأسنانها من مس ابنها.. لا تأبه للموت ولا لطغيان جائر إن كان المعني ولدها، ولكن هذا الاعتقال، اعتقال ابنها حوّل عاطفة الأم عندها إلى وعي.. إلى وعي بأن الوطن مسبي، مكبل ومخدوش الوجه، وهي عليها أن تقاوم، لا لأجل ولدها فقط، ولكن من أجل هذا الوطن، حتى تصبح فيه حرية التعبير حقا مكتسبا، وحرية الرأي واجبا محصنا، وحقوق الإنسان مكسبا لكل المغاربة.
 
ومنذ اعتقال ابنها، صار بيتها ملتقى أمهات وزوجات المعتقلين، يخططون لاحتلال أكبر مسجد بالعاصمة، يعتصمون به، يختمون الفاتحة بتلاوة بياناتهم حول الاعتقال وظروف المعتقل وسجن برائحة الموت تطوي غياهيبه خيرة شباب البلد، ومنهم من لم يبلغ سن الرشد بعد. من بيتها يخططن للاعتصام بوزارة العدل وفضح السجن والسجان. وفي بيتها كتبوا لافتات يرفعنها في مسيرات فاتح ماي، لا يهمهن أية نقابة احتضنت قضيتهن، فحيثما كان العامل والفلاح والطالب والتلميذ هم هناك، يرفعون عاليَ الصوتِ لفضح واقع الاغتراب في وطن حرم أبناءهن وأزواجهن، من رؤية الشمس تسطع في سمائه، لتعرية واقع سجناء الرأي محرومين من الحق في الدراسة والعلاج وفي حياة إنسانية كريمة.. وذلك قبل دخولهن في مرحلة المطالبة بإطلاق السراح.. التي بدأنها بالاعتصام بمقر فرع الأمم المتحدة بالرباط...

أي تحد هذا الذي لبس أم لحرش ورفيقات دربها… يغافلن العسس والحرس ويقتحمن مقرا يجهل أدواره جل سكان البلد، وها هي ذي خمسون امرأة في ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تقتحم أبوابه المغلقة دوما، لتمرر عبر دواليبه الخفية صوتها إلى العالم… تقول "إنها بلدي التي صادقت على اتفاقياتكم برفع الحجر على الإنسان، تغلق زنازن من إسمنت وأسلاك حديدية على أبنائنا…". تدرك أمي زهرة، أم الصديق ومعها رفيقات درب نضال طويل، أن الاحتجاج والاعتصام وتنظيم المسيرات لم يكن كافيا لتحقيق كل المطالب، ما لم يكن الضغط منظما تلتف حوله كل القوى الديمقراطية في البلد وخارجها، فانخرطن في تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، واصبحن عضوات فاعلات في فروعها. وربطن علاقات مع منظمة العفو الدولية "أمنستي"، ولم يكن لها أنذاك فروع بالمغرب، واستقبلن أعضاء أمنستي في بيوتهن وحكين لهم عن ظروف السجن وأوضاع المعتقلين السياسيين. إنها امي زهرة وصاحباتها من سألهن المخبر حين اعتقلهن، وما أكثر المرات التي بتن فيها بمخافر الشرطة، كيف عرفت أن اليوم هو اليوم العالمي لحقوق للإنسان؟ فأجابته: منذ اعتقلتم ولدي وأنا لا أفارق المذياع أملا في سماع خبر عنه. من الراديو عرفت أن العالم كله يحيي ذكرى الاعتراف بحقوق الإنسان في العاشر من دجنبر كل عام، وأنا ابني إنسان، ولكنكم حرمتموه من أن يعيش إنسانيته". أمي زهرة هاته المرأة العجيبة الرائعة هي من أنجبت الصديق لحرش. أسطورة في نضاله وصموده وتحديه.. أسطورة في حبه أو أن حبه هو الأسطورة.
 
أسطورة هذا العشق للوطن الذي انتهي به معتقلا محكوما عليه باثني وعشرين سنة سجنا… الوطن لا يتجزأ عند الصدّيق.. هو أرض يحلم لها بالحرية والكرامة.. هو أمٌّ ينحني لها اعترافا لأنها أجمل الأمهات.. هو صديق يتفانى في خدمته دون انتظار المقابل، هو الأسرة التي شارك في تكوينها صحبة آمنة بعد خروجه من السجن، هو بنت وولد أنجبهما ورأى فيهما استمرارية عشقه للوطن محمولا لأجيال لا يتوقف، هو امراة أحبها قبل اعتقاله، حمل حبها مهربا من قبو لقبو ومن سجن لسجن، يكتب لها شعرا من منفاه فلا يصلها، يستمد من حبه لها مقاومته للموت الأسود في سراديب المنفى.. يحبها وإن كان يعرف أنها نسته، وقد صرح لها بكلام لا يقال… المناضل لا ينحني لجنون حب امرأة.. الصديق المناضل قال لها أحبك.. فردت "لا" واستمر يحبها.. لأنه يحبها… حب الوطن لا يختزل ولا يجزأ، ولكن الصديق كان قادرا على حب الوطن وامرأة، امرأة مخصوصة حوَّل حبُّها وحشة زنزانته إلى فضاء مفتوح على عالم الذاكرة المسبية. حملها معه موشومة في وجدانه وهو يقاد إلى مخافر التعذيب مكبلا مغمض العينين.. يستحضرها في عالمه المنسي، يبوح لها بحبه مرات ومرات، غناء سجيا.. الصديق وهو عاشق يتقن الغناء، يغني لحبيبته الحاضرة في الغياب، مواويل أم كلثوم، ويردد معه صدى زنزانته آهات محمد عبد الوهاب وصدح صوت جاك بريل.. يكتب لها شعرا بفحم عود الثقاب على جدار الزنزانة حيث كان ممنوعا من القلم والورق.. وحين فكت العزلة عنه، كتب شعره لها على مذكرة أهدتها له صديقة كانت تزوره بالسجن، احتفظ بها طوال مدة سجنه، وما زالت معه إلى اليوم، وقد مر على هذيانه الشعري هذا المخطوط عليها، ما يقارب الأربعين سنة، تذكره كم قاوم في السجن ليعترف الرفاق بأن حبا نوعيا وخاصا لا يعادي حب الوطن ولا ينافسه بل يقويه. وقد كان الحب النوعي والخاص غير مباح ولا معترف به عند الرفاق، رفاق الصديق.. بل إعلانه كان معادلا للانهزام والتخلي عن المبدأ ومن بقايا آثار برجوازية.. وكان الصدّيق ثائرا على النظم والقوانين التي تبيح حق الاعتداء على الإنسان وحرمانه، من حريته ودوس كرامته، متمردا في سجنه على ثقافة رفاقية تصادر حبا يُعلَن لغير الوطن، وغناء لا يتردد عشقا للإنسان كل إنسان، بلا تحديد أو تخصيص.
 
متمرد تعلو وجهه ابتسامة مشرقة رغم الأسى، تدفعك لتحبه رغما عنك.
 
وهكذا كان الصديق مصرا على أن تكون علاقة المعتقل اليساري بزوجته وحبيبته علاقة بوح، وكان له ذلك.. وقد أصبح المعتقلون يكتبون شعرا وكلمات حب لحبيباتهم وزوجاتهم…
 
♦♦♦♦
 
بهذه المناسبة الأليمة، تتقدم أسرة تحرير "الغد 24" بأحر التعازي والمواساة لزوجته الشامخة أمينة ولابنته صوفيا وابنه حسام، ولكافة أفراد أسرته الصغيرة والكبيرة، ولرفاقه، ولكافة الحالمين بمغرب الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية...