الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الوسط اليميني واليسار الاجتماعي وجها لوجه

الانتخابات التشريعية الفرنسية.. لمن ستدق الأجراس في المعركة الشرسة بين ماكرون وميلونشون

 
عبد الكريم غيلان
 
 
أظهرت نتائج الجولة الأولى من التصويت في الانتخابات التشريعية الفرنسية، التي جرت يوم أمس الأحد 12 يونيو 2022، أن ائتلاف الوسط، الذي يقوده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تفوّقا ضئيلا للغاية على ائتلاف اليسار، الذي يقوده جان لوك ميلونشون، مما سيجعل الجولة الثانية الحاسمة، المقرر إجراؤها يوم الأحد المقبل، 19 يونيو 2022، جولة ضارية، في الصراع بين الوسط اليميني وبين اليسار الاجتماعي، مع هامش محدود للتوجه الثالث، الذي يمثله اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان.
 
وتنافس في الانتخابات التشريعية الفرنسية 6293 مرشحا في جميع أنحاء البلاد من أجل الحصول على 577 مقعدا في الجمعية الوطنية (مجلس النواب)، ويتطلب الحصول على الأغلبية الفوز بنحو 289 مقعدا.
 
وحصل تحالف ماكرون (ائتلاف معا) المكون من أحزاب الوسط على 25.75 في المائة، من الأصوات، وفقا للنتيجة النهائية، التي أعلنتها وزارة الداخلية، بينما جاء تحالف ميلونشون، المؤلّف من أحزاب اليسار والخضر، في المركز الثاني بنسبة 25.66 في المائة، في حين حصل تجمع لوبان على 18,72 في المائة من الأصوات.
 
وبحسب المعطيات، التي وفرتها وكالات الأنباء استنادا إلى استطلاعات للرأي جرت عقب انتهاء التصويت، فإن المعركة ستكون أساسا بين "ائتلاف معا"، الذي تشير التقديرات إلى أنه سيحصل على 275 إلى 310 مقاعد في الجمعية الوطنية (مجلس النواب) من أصل 577، فيما يُتوقّع أن يظفر تحالف "الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد" اليساري بمقاعد تتراوح بين 175 إلى 205.
 
وبين الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية، يتبين أن المعركة الانتخابية أزاحت الأحزاب التقليدية، اليمينية واليسارية، التي كانت تسيطر على الحياة السياسية الفرنسية على مدى عدة عقود، مما يجعل الأوضاع الراهنة تبدو متوتّرة، في وقت يعاني الفرنسيون من ارتفاع تكاليف المعيشة وتآكل الأجور، في ظل تضخم متسارع ونمو اقتصادي سلبي، وهو ما أثّر جليا على حملة ماكرون في إقناع الناخبين، الأمر الذي استغلّه ميلونشون الذي اتهم الرئيس بأنه عازم على حماية الأثرياء أكثر من الفقراء.
 
الوضع المجتمعي العام في فرنسا هو الذي يتصدر انشغالات المرشحين والناخبين، لكن قضايا المنطقة المغاربية، هي بدورها كانت حاضرة، وبالخصوص قضية النزاع الإقليمي في الصحراء، ولوحظ أن النظام العسكري الحاكم في الجزائر يدخل بقوة ساحة النقاش السياسي في فرنسا، من خلال ما عُرف باسم "الذباب الإلكتروني لمخابرات الكابرانات"، الذي شنّ هجوما كاسحا، وإن كان دون نتيجة تُذكر، على مرشح من أصل مغربي، وضع مسألة الصحراء المغربية ضمن حملته الانتخابية، إذ أعلن للناخبين عزمه على وضع قضية الاعتراف بمغربية بالصحراء رهن تصويت رسمي في الجمعية الوطنية الفرنسية، مؤكدا أن الدبلوماسية الفرنسية مطالبة اليوم بأن تواكب المنحى المتقدم، الذي ذهب إليه موقف إسبانيا والولايات المتحدة من النزاع الإقليمي في الصحراء، في اتجاه تثمين والدفع بـ"العلاقات الاستثنائية والمثالية بين فرنسا والمغرب"...
 
بيد أن الوضع الداخلي هو الذي يبقى في الصدارة، إذ أزاح إلى الخلف قضايا الحرب في أوكرانيا والنفوذ في أفريقيا جنوب الصحراء وتطورات الأوضاع في مالي وفي الدول المغاربية، ليرتفع الحديث عن مستوى معيشة الأسر الفرنسية، وعن الأجور والضرائب والحماية الاجتماعية، وهو الأمر، الذي عرف ميلونشون، السياسي المخضرم، كيف يستثمره جيدا من أجل تسجيل نقط على الرئيس، وأثبت أنه الخصم الرئيسي لماكرون، الذي، بدوره، لم يبق مكتوف الأيدي، إذ قدم نفسه على أنه حصن ضد "التطرف"، الذي يجسده، في نظره، اليسار الراديكالي ميلونشون واليمين المتطرف لمارين لوبان، مشددا على أن التطرف، سواء كان يميا أم يساريا، هو مرادف لـ"الفوضى" في فرنسا. وفي الوقت ذاته، يطلب ماكرون من الفرنسيين منحه "أغلبية قوية وواضحة"، مبرزا لهم أنه سيكون متعذّرا أن يروا أي زخم إصلاحي في مجلس (الجمعية الوطنية) محروم من أغلبية حقيقية.
 
لكل ذلك، سيكون الفرنسيون، وسيتابعهم المغاربيون، أمام مواجهة حاسمة مرتقبة في الجولة الثانية بين ائتلاف ماكرون وائتلاف ميلونشون، يوم الأحد المقبل، وسيكون أمامنا، آنذاك، فرصة لتبيّن مآلات هذه المعركة في داخل فرنسا، وتداعياتها المفترضة على محيطها الدولي، وبالخصوص في شقّه المغاربي...