الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

فجري الهاشمي: ذكريات مع السي عبد الرحمان اليوسفي.. خشيتنا أن "تصير على البال"!


فجري الهاشمي
 
لا أحب أن أتحدث عن نفسي، ولكن يبدو، أحيانا، أنه ينبغي أن نقول بعض الأشياء مضطرين.
هي حكاية (ولحسن الحظ أن شخوصا مازالوا أحياء).. هي حكاية سوف أتحدث عنها باختصار، وأتمنى أن يسعفني الله أن أكون ناجحا في هذا التلخيص السريع والمفيد.
قبل التناوب، كان صديقي عدنان الدباغ قد اشترى سيارة جديدة (مرسيديس E230)، وكان السي عبد الرحمان اليوسفي قد نودي عليه من طرف هيئات المحامين ليترأس أربعينية المناضل الكبير إبراهيم الباعمراني، الذي كان صديق والدي، وفي ما بعد أصبح صديقي، خصوصا حين كان يأتي إلى الرباط عند المناضل القديم أحمد الدحماني.
اتصل بي عدنان الدباغ ليخبرني أنه تقرّر أن يتولى مهمة نقل السي عبد الرحمان إلى بني ملال.
صديقي الدباغ قال لي إذا اختار السي عبد الرحمان أن يقلّه (دبّر على راسك)..
كان ذلك في سنة 1997، قبيل التناوب.. حين حضرت أمام مقر الجريدة، وكان هناك جمع غفير، خرج السي عبد الرحمان وصعد إلى سيارته (R19 chamad)، ذهبت عنده وفتحت باب السيارة وقلت له: "أنا فجري، هل تعرفني؟"، ابتسم الرجل ونظر إلى نظرة عميقة).. حينها ذهبت إلى سيارة صديقي الدباغ، لكن السي عبد الرحمان طلب من سائقه أن يبلغنا أنه يحتاج إلى مرافق، فقال لي شوقي: "الكلام عليك"، قلت له: "تولى الأمر"..
في السيارة، كان معنا المرحوم محمد ليدام والمحامي كنعان..
حضرنا في الأربعينية.. ولأن المحامين ينتظرون حضور اليوسفي، فحين نزلت اعتقدوا أنني اليوسفي (القضية فيها الطونوبيل)... وأدخلوني إلى الصف الأمامي محاطا بأعضاء الهيئة.. صديقي الدباغ كان يتابع هذا المشهد عن بعد.. انتقلنا، في ما بعد، إلى منزل المناضل الكبير إبراهيم الباعمراني، وكان معي صديقي المرحوم الحجام صاحب ملفات تادلة...
أتذكر أن السي عبد الرحمان كان ينظر إلي معاتبا "تّا مالك ما باغيش دوي معايا!"...
قرر السي عبد الرحمان ألّا يبيت في فندق شمس، واختار ألا يعود في سيارته، وطلب من صديقي الدباغ أن يكون أحد مرافقيه هو الذي يؤنسه في الرجوع.. جاء عندي الصديق عدنان الدباغ وأبلغني برغبة السي عبد الرحمان.. رفضت.. وحين صعد المحامي كنعان، قال السي عبد الرحمان للصديق الدباغ: "كم يستغرق الوقت للوصول إلى الدارالبيضاء؟".. أجاب صديقي الدباغ: "ساعتين ونصف".. وقال له السي عبد الرحمان: "أنا سأنام"..
رجعت في سيارة السي عبد الرحمان رفقة المرحوم صديقي العزيز السي محمد ليدام وشوقي والصحافي المتعدد الهوايات صبري.
حين بدأ الهجوم على السي عبد الرحمان في "لوجورنال"، كنت قد كتبت مقالا عنه اسمه "The Walker"، وهو فيلم جميل...
بيني وبينكم ماكنتش باغي هاذا الشي.. ولله أمور...
 
♦♦♦♦
 
مناسبة هذا الاستحضار، حلول الذكرى الثانية لرحيل السي عبد الرحمان اليوسفي (29 ماي 2022)، التي نبّهتنا إليها الصديقة نزهة الكوشي، فلها الشكر الجزيل على هذا التذكير، وعلى الدور الذي تقوم به في تدبير صفحة اليسار...
لقد ذكّرتنا ونحن الذين كثرت علينا الأحداث والانشغالات لدرجة أننا نسينا الذكرى الثانية لرحيل ذلك الوطني الغيور.
ما الذي حصل، وكيف أصبحنا بدون ذاكرة، وما الذي يجعل النسيان يتغلب علينا؟ هناك تفسير واحد ووحيد هو أننا، بنسياننا لذكرى رجل وطني كبير، بدأنا ننسى حزبا اسمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
هذا الشعور هو الذي أحسست به.. صار ما كان ملكا لنا غريبا عنا!
يقول المصريون عبارة جميلة وحزينة (عليه العوض).
بألم وحسرة ذهبت، إلى مثواك، السي عبد الرحمان، بلا بهرجة، والحزن عليك ملأ القلوب.. وأخشى ما أخشاه أن تلك العبارة، التي كنت تقولها حين لا يعجبك موقف أو رأي "صار على البال"، أن تصير أنت أيضا على البال، وهو أمر يرغب فيه الذين في قلوبهم مرض، لكن الوطن سيتذكرك لأنك كنت كبيرا، ولن يطالك النسيان...