اندحر حزب العدالة والتنمية بنحوٍ مدوٍّ لم يتوقعه أمينه العام الذي بدا مرتبكًا في المداخلات التي أكثر منها خلال ليلة الاقتراع، وهو الذي لا ينطق إلا قليلا، وفي المقابل فازت أحزاب تقع عليها رهانات، وتسجل حولها تحفظات، ولقد مارس الأكثرون أسلوب التصويت العقابي جراء الإجراءات القاسية التي اتخذتها حكومة العدالة والتنمية، والتي لا مثيل لقساوتها في سابق العهود، وفي النهاية يبقى السؤال، ماذا بعد؟!
السؤال ماذا بعد؟ سؤال مبرر. لكن، لأنه مبرر في كل الأحوال فإنه مضلل أيضا لأنه سرعان ما يجعل العقل عاجزا عن توقع أي شيء.
بصرف النظر عن التحدي الجدي المتعلق بأن عمل المؤسسة التشريعية يحتاج إلى معارضة قوية، وهنا فإن القادرين لا يرغبون، والراغبين لا يقدرون، إلا أنني أتوقع أن مكسبا هاما قد تحقق:
الدور الأساسي الذي كان يمارسه حزب العدالة والتنمية في البرلمان هو عرقلة أي مشروع قانون، أو مقترح قانون، يهم الحريات الفردية. بناء على ما سبق أتوقع أن تشهد المؤسسة التشريعية إمكانية أفضل لمناقشة القوانين المتعلقة بالحريات الفردية، لاسيما مع وجود نساء رفيعات من اليسار الجذري، لديهن قدرات هائلة للترافع على مقترحات قوانين حداثية.
الاعتراض المشهور أن هذا الباب لا يزعج السلطة، ولذلك فهو ليس مهما.
هذا الاعتراض يخالف المنطق والواقع:
منطقيا، فإن إزعاج السلطة ليس معيارا على أهمية القرار. فقد يكون القرار مهما وغير مزعج، وقد يكون مزعجا وغير مهم.
واقعيا، فإن مراكز الضغط في السلطة -في كل سلطة- ميالة بطبعها إلى القرارات المحافظة جراء ما يسمى بجدل الأجيال. كما أن مجتمع القطيع يسهل توجيه انفعالاته والتحكم فيها، أما مجتمع الأفراد فلا يمكن ترويضه أو توقّع توجهاته. ثم إن الديمقراطية لا تقوم على مفاهيم الشعب، والإرادة الشعبية، والقطيع، والكتائب، بل تقوم على أساس الفرد، الفرد الواعي بذاته وكرامته الفردية. إن الذي يدخل إلى معزل التصويت هو الفرد بمفرده. إن لم يوجد الفرد أولا، فلا سبيل للحديث عن أي انتقال ديمقراطي ممكن.
ذلك النوع من البروفايل يتوفر في بعض الوجوه البرلمانية الجديدة، من اليمين الليبرالي إلى اليسار الجذري، مرورا بالأحزاب الوطنية الكلاسيكية.
تلك الوجوه قليلة بالفعل، هذا مؤكد، لكن حين يتعلق الأمر بقوانين الحريات الفردية، فأمام غياب بهلوانيات لوبي الإسلام السياسي، ستكون القدرات الفردية في الترافع حاسمة. وفي هذا الأمر أتوقع أن يكون التعاون عابرا للأحزاب والتكتلات النيابية، وستكون القوانين الجديدة مكسبا للجميع. وإنها أهم توقعاتي باختصار.