أفغانستان.. لعبة دولية تنطلق وسيكون المسلمون حطبا لها وهذه هي المهمة الجديدة لطالبان
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
قد يرى البعض في عودة طالبان إلى الحكم بالقوة في أفغانستان انتصارا للقبيلة الوهابية على الأمريكان والناتو و... وقد يسرع متسرّع إلى إجراء مقارنات مع حروب فيتنام ضد الفرنسيين ثم الأمريكان، لكن الوقائع، التي تحاول التعتيم عليها التصريحات والضجيج الإعلامي، من شانها أن تكشف عن حقيقة أن طالبان يعودون في مهمّةٍ في منطقة تماس ساخنة حاليا، وستكون أسخن في المستقبل.
أكيد أن الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها، قد اقتنعت أن 20 سنة من الوجود في هذا البلد كانت مكلّفة جدا، بعد صرف عشرات المليارات من الدولارات دون تحقيق النتائج المرجوة، وأن الكُلفة سترتفع أكثر بالنظر إلى كون عدد هائل من الأفغان صاروا عالة عليها، بمن فيهم من تولوا مسؤوليات الدولة والجيش والإدارة، واقتنعت كذلك أن جزءًا كبيرا من الشعب الأفغاني، وبالأخص قبيلة البشتون الغالبة والممتدة في باكستان، يرغب في العيش في القرون الوسطى، وفي ظل نظام حكم طالباني، وهذا ما يظهره ويؤكده الانتصار السريع لطالبان وضعف مقاومة الجيش النظامي والسكان لزحفهم شمالا وجنوبا وشرقا وحتى غربا حيث يعيش الشيعة، وهذا مغزى كلام الرئيس بايدن في كلمته، أمس الاثنين 16 غشت 2021، التي قال فيها إن الولايات المتحدة رغبت في محاربة الإرهاب وليس تكوين أمة، والحال أن أفغانستان فسيفساء قبلي يجتمع على الإسلام وليس على فكرة دولة وطنية أو دولة أمة، وترى قبائل أفغانستان نفسها امتدادا لقبائل باكستانية وأوزبكية وإيرانية وغيرها، ويمكن في أي لحظة أن تدخل في حروب قروسطية شرسة، وأن تنقل هذه الحروب إلى دول الجوار.
ومن الواضح، وهذا ما ستظهره الفترة المقبلة، أن انسحاب الولايات المتحدة وسحبها لعدد كبير من الأفغانيين الذين اشتغلوا معها، إذ يهدف إلى التحرر من ثقل وكلفة باهظة وتجنُّب سقوط مزيد من الأمريكيين في ظل وضع غير قابل لأي استقرار على المدى البعيد، على أساس إعمال المراقبة عن بعد وبواسطة المخابرات للحيلولة دون تكرار ما حدث في 11 شتنبر 2001، فإنه يهدف أيضا إلى جعل أفغانستان تهديدا لكل من الصين وروسيا، المجاوريْن، وبالتالي إعادة إنتاج سيناريو قديم كان له دور في سقوط الاتحاد السوفياتي. ومعروف أن الولايات المتحدة كانت قد ضغطت بقوة على الحكومة الباكستانية من أجل إطلاق سراح الزعيم الحالي لطالبان، الملا هبة الله أخوند زاده، وتغاضت عن تولي قيادة جيش طالبان من طرف أحد رموز القاعدة، الملا عبد الغني برادر، الذي قاد المفاوضات مع الأمريكان في الدوحة...
وكذلك عن احتضان قطر، التي توجد بها القاعدة الأمريكية، العديد من أعضاء المكتب السياسي لطالبان، إلى جانب قيادات الإخوان المسلمين وجماعات أخرى، بل وتكليفها بالتوسط، ولذلك دلالته التي لا تخفى، في ظل التنافس بين القوى الكبرى بتشعباته الجديدة وبمركزه الجديد في المحيط الهادي.
إن عودة طالبان إلى الحكم، مع التزامها المعلن بأن لا تكون أفغانستان منطلقا للإرهاب ضد البلدان الأخرى كما حدث سنة 2001، يعني أن على الصين وروسيا على الخصوص توقّع تحوّل هذا البلد الخاضع لنظام قروسطي معادي للشيوعية وغير المنشد إلى فكرة وطنية، نظرا لسيطرة قبيلة البشتون على مفاصله، ومعادي أيضا للروس ولنفوذهم في الدول المتكونة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي...، إلى مصدر تهديد حقيقي ومخاطر قصوى، ولعل انتقاد الصين للانسحاب السريع للقوى الأجنبية من أفغانستان وإجراء روسيا لمناورات عسكرية ضخمة بالجوار الأفغاني، ثم فتحهما لقنوات حوار مع قادة طالبان قبل الزحف على كابول وسقوطها، بسهولة ودون مقاومة تقريبا، أمور تعبر عن وعي القيادات الصينية والروسية، وحتى الهندية، بخطورة ما يجري في أفغانستان على الوضع الإقليمي، وعلى الدول المنافسة للولايات المتحدة والغرب هناك، وعلى إمكان لعب طالبان، ومعهم جماعات إسلامية سنية أخرى، لأدوار شبيهة بالأدوار التي لعبتها في ما مضى...
ولأسباب أخرى غير التنافس الدولي، فإن إيران لابد وأن تخشى هذا التطور، خصوصا وأن طالبان الوهابيين يكفّرون الشيعة، وكانوا سابقا في حالة حرب مع الطائفة الشيعية في أفغانستان بقيادة حكمتيار، بعدما اشتركت معها في الحرب ضد النظام الشيوعي والاتحاد السوفياتي السابق.
هي لعبة دولية تنطلق، وسيكون المسلمون مرة أخرى حطبا لها، وسيظهر طالبان لبقية العالم صورة سيئة عن مسلمين رجعيين يرغبون في القرون الوسطى ويرفضون التقدم ومكاسب الحضارة البشرية المعاصرة.
والواقع أن هذه الرجعية المنتشرة خارج أفغانستان، والتي تستمر في التعبئة، تبقى مفتوحة على البلادة الاستراتيجية والغباء السياسي بحيث يسهل التلاعب بالمسلمين في كل مرة وتسخيرهم لتخريب بلدانهم والبلدان الأخرى والإساءة للدين الإسلامي الذي يزعم الأغبياء أنهم يدافعون عنه.