الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

"قصص ممنوعة" مجزوعة.. بيغاسوس والتجسس والمتهِمون الأجانب والانتهازيون المغاربة

 
يونس وانعيمي
 
والمغاربة ينتشون بشواء الأضاحي، خرج دخان من الإيليزي من شواء بنكهة مختلفة. لنبدأ بوصف الواقعة..
خرجت جماعة من شبكة إعلاميين غالبيتهم فرنسيون منضوون تحت لواء تنظيم اسمه "قصص ممنوعة"، يتهم مجموعة من الدول، كالسعودية وغانا والمكسيك والمغرب، بحيازة نظام تجسس عالي التقانة اسمه بيغاسوس اشترته من شركة إسرائيلية NSO متخصصة في البرمجيات المتصدية للبرامج الإرهابية..
لا شيء غريب هنا (كل الدول تحوز على برامج استخباراتية مشابهة)، حتى أعلنت هذه المنظمة أن المغرب استعمل هذا البرنامج للتجسس على هواتف حقوقيين (ربما المعطي منجب أحدهم) وهواتف صحافيين (ربما بوعشرين والريسوني والراضي والمهداوي منهم) وهو ما مكّن المخابرات المغربية والسلطات القضائية بمتابعة الجميع بقرائن تفيد بـ"تخابرهم" مع جهات خارجية مناوئة لمصالح المغرب.
واستمرت نفس المنظمة في استظهار "الفضائح" حتى وصل استظهارها لعنق الزجاجة: ذكرت أن النظام الاستخباراتي المغربي استعمل ذلك البرنامج للتجسس على هاتف رئيس الجمهورية الفرنسية وثلاثة عشر وزيرا في حكومته، بل وأيضا على الملك محمد السادس وعلى مقربين منه كانوا هم أيضا أهدافا لهذا العمل التجسسي.
قبل التعليق على هذه القصة، التي تنقصها الحبكة كما لو كانت قصة فسيفسائية كتبها أكثر من مؤلف، دعونا نلقي نظرة على ردود فعل الرسمية الصادرة عن المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية.
المغرب نفى، في تصريحين ديبلوماسيين رسميين، عدم استعماله لهذه المنظومة التجسسية ويطالب بشكل ملح أن تتقدم الجهات المتهمة له بكل القرائن والدلائل المادية. وفي حالة غياب أدلة ستبقى للمغرب أحقية رفع دعاوى قضائية، وهذا ما فعلته السلطات المغربية...
الإيليزي، من جانبه، أكد أن ما صدر عن منظمة "قصص ممنوعة" والمنظمات الدولية "الحقوقية" الداعمة لتصريحاتها، تبقى أمورا لا تمت بأية صلة لا لمواقف ولا لقرارات مؤسسة رئاسة الجمهورية، وأن الرئيس إيمانويل ماكرون أعطى تعليمات رئاسية بفتح تحقيق...
من جهتها، خرجت شركة NSO الإسرائيلية ببلاغ شديد اللهجة عنونته "يكفي يعني يكفي" (Enough is Enough)، تؤكد فيه أن أجهزتها ومهندسيها وتقنيي برامجها لم يسبق لهم أن منحوا المغرب لوائح وقوائم أرقام هواتف حسب ما تدعيه منظمة (Forbidden Stories)، معتبرة أنه من الخطورة بمكان أن تُتهم الشركة بتلك الاختراقات الخطيرة لهواتف رئيس الجمهورية ووزرائها.. بلاغ يقوّي الدعوى القضائية التي رفعها المغرب.
هذا ما حدث لحد الساعة في النطاق الرسمي، لكني لن أكتفي به طبعا.
1- لنرجع أولا لهذه المنظمة التي تتغطى بغطاء شبكة من الصحافيين لأطرح سؤالا بسيطا ساذجا: كيف تمكن صحافيون من اختراق "حسب كلامهم" نظام استخباراتي معقد للكشف عن عمليات تجسس غاية في الخطورة استهدفت رئيس فرنسا بدون علمه؟ "زعما" ستنتظر فرنسا حتى يستفيق صحافي من ثمالته ليقوم بتحقيقات غاية في الدقة ويمنحها معطيات استعصت على المخابرات الفرنسية والأوروبية (لأن هناك شراكات استخباراتية بين الدول الأوروبية)؟!
هنا أمران لا ثالث لهما: إما هذه المنظمة هي نفسها المخابرات الفرنسية، التي لعبت لعبة رديئة انكشفت توا، وإما أنها منظمة عامرة بمخبرين غير رسميين وغير فرنسيين على الدولة الفرنسية تجفيف منابعهم حالا ما داموا يخلطون أوراق علاقات استراتيجية بين دولتين حليفتين.
2- لنرجع ثانيا لبلاغ الإيليزي، الذي نبّه إلى أنه لا يمنح البلاغات الصحفية تلك المصداقية التي تكفيه ليبني عليها مواقفه الرسمية. الدرس هنا بليغ.. هل مسموح للصحافة أن تباشر مواضيع استخباراتية هكذا جد حساسة بدون التنسيق مع رئاسة الجمهورية؟ هنا أيضا استنتاجان: إما أن الدولة الفرنسية العتيدة تعيش أحلك أيامها في ما يخص قوة نظامها الاستخباراتي، إلى درجة أصبح صحافي أو محامي يقوم مقامها فيُخبر الرئيس بأن هاتفه تحت التجسس.. وإما أنها حركة غير محسوبة قامت بها المخابرات الفرنسية ودسّتها لمنظمة صحافيين. لكن لماذا؟ هذا ما سأجيب عنه في النقطة الثالثة...
3- المغرب زاد من وتيرة وحِدة ونشاط حركته الدبلوماسية الإقليمية، وفي هذه الحركية التطورية اللافتة، قد يكون أصاب مصالح بعض الدول الأوروبية في ما يشبه المقتل: أزاح ألمانيا من مخطط الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين (ومنحه للبرتغال)، وأزاح إسبانيا كبلد محتكر لصادراتنا الفلاحية ومنحها لروسيا (التي أنقذتنا سنة 2018 في صادراتنا من الحوامض والبواكر التي رماها الإسبان في قارعة الطريق)، وأزاح فرنسا من احتكار صفقات السلاح ومنحها للولايات المتحدة الأمريكية... واليوم تُحرك هذه الدول خواصرها لترقص رقصات استخباراتية تتهمنا بالتجسس والانحراف...
وأختم بشيء مخجل بالفعل: والوضع له مقومات جيوسياسية مركّبة، يخرج علينا شرذمة من الانتهازيين من داخل المغرب ليؤكدوا أن المغرب فعلا قام بالتجسس على نشطاء وحقوقيين وصحافيين مغاربة، وهم أميون تكنولوجيا، وجهلة بالأمن المعلوماتي، ومع ذلك "يخرّج فيك عينيه ويقول ليك: آه المغرب تجسس على فلان وفرتلان"... بالله عليكم هل تحتاج الدولة لملايير الدراهم حتى تتقصى ما يتفوه به أناس لا يكفون عن فتح أفواههم في الأحضان والمراقص والأديرة والأقبية؟؟
ليس دوما جيدا وذكيا أن يتم تدويل نزاعنا مع الدولة.. لأن المرء بذلك يضع بيضه كله في سلل ليست في ملكه، وتلك أول خطوة لبيع الذات والأرض والوطن لمن يدفع...