الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

حقوق الإنسان والمقدمية والمحميين الجد والميريكان

 
لحسن صبير
 
ثمة فرق جوهري بين أن تتصدى وبقوة لا تلين لأي صورة من صور البطش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإرهاب الفكري في ساحتك الوطنية، وبين أن تمتهن مهنة "مقدم" تدبّج التقارير للسفارات و"المانحين"...
 
في الحالة الأولى، يجب أن تكون وطنيا حتى النخاع، ولأنك كذلك يمكن أن تقدم روحك قربانا دفاعا عن مغرب حداثي ديمقراطي منصف اجتماعيا...
 
أما في الحالة الثانية، فإنك لا تختلف عن "مقدمي" أوفقير والبصري، الذين امتهنوا، زمنا، تغراق كل من اشتبهوا فيه بـ"ما من شأنه"، أو كل من أرادوا تصفية حسابات شخصية معه، فلم يكن يوما كل من غُيّب أو اختُطف وعُذب زمن الرصاص "سياسيا"، أو ذا رأي أصلا.. فكثير منهم كانوا مجرد بسطاء، وأحيانا مرفّحين، لكن "المقدمين" أرادوا "فيهم الخدمة"... وباتوا ما صبحوا...
 
مناسبة القول، ما صدر عن الخارجية الأمريكية من تصريحات تهم ملفات بعينها، والتي تبدو فيها بصمات مدبجي التقارير بلوي الحقائق...
 
لنوضح أولا للأمريكان قبل "مقدميهم": ما يجمع بلدينا مصالح متبادلة في إطار ندي، وفي إطار الاحترام المتبادل لشعبينا ودولتينا ومؤسساتنا وقوانيننا أيضا وليس في إطار المزايدات و"الأستاذية"... ولا أعتقد أن "بيل كلينتون" حينما توبع بـ"التحرش" انبرى من يبرر له جرمه بـ"أنه مستهدف لأنه رئيس دولة"، أو لأنه "عضو نافذ في الحزب الديمقراطي".. بل لأنه استخدم عضوه الآخر في إطار شطط أو في ما لا يتماشى مع المهمة التي أوكلها له دافع الضرائب الأمريكي...
 
ولعل آخر من يمكنه أن يحاضر حول الديمقراطية وحقوق الإنسان هي الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، وإدارتها "الديمقراطية" تحديدا... لأن خرائط "محاضراتها"، أو ما تسمونه في لغتكم بـ"الضغط الدبلوماسي"، لا تزال شاهدة الآثار "الإنسانية جدا"، في سوريا وليبيا وتونس واليمن والعراق، بفرض أن تدخلكم في أفغانستان كان دفاعا مشروعا عن النفس...
 
بل لا تزال شاهدة لدينا، أيضا، بما بذلتموه من دعم دبلوماسي لفريق محدد تسبب لنا في "عُشرية سوداء" من سياسات "الأرض المحروقة" اجتماعيا واقتصاديا...
 
وفي باب حقوق الإنسان دائما، كيف يمكنكم التفاوض من وراء ظهر الشعب الأفغاني بمعاونة بعض "أذلاء الخليج" لتسليمه لقمة سائغة لـ"طالبان"؟ وهل فكرتم لحظة في كل تلك النسوة والشباب الذين استرجعوا بعضا من أصواتهم وكرامتهم في وجه "تجار الدين" ليتركوا لحالهم تنتظرهم سياط الجلد أو أعمدة المشانق بالساحات... أم إن استراتيجيتكم في تحويل أفغانستان من بؤرة خامدة إلى "بؤرة متجددة" كثقب أسود هي لاستنزاف خصومكم الدوليين في آسيا الوسطى، وتحديدا ما يثير حالة عدم استقرار لكل من الصين (بأقاليمها الشرقية) وروسيا بالدول "الإسلامية"، التي شكلت يوما قسما من إمبراطورتيها السوفياتية، يشرعن لكم كذا "قرابين بشرية" دوسا على الحق الأقدس لحقوق الإنسان: الحق في الحياة؟
 
إن لحقوق الإنسان، في المغرب، أهلها ومؤسساتها الترافعية والتداولية ذات المصداقية، أيضا، والتي تبني وتراكم خبرتها بما يتواءم وتحدياتنا وانشغالاتنا الوطنية، وهم ليسوا أي أهل، كفاحية لأجلها وخدمة فكرية وترافعية يومية في سبيل تسييدها.. لكنهم ليسوا من طينة "كتاب التقارير"، و"المتمولين لسندات الطلب"، أي بكلمة لا يلعبون لعبة "المحميين" و"مقدمي السفارات"... إنهم وطنيون قبل أي شيء وبعد كل شيء، لذا فالحرص على المصالح المتبادلة بين الدول تبدأ ويجب أن تبدأ من "الاحترام المتبادل"...
 
أما "المقدمين"، فنقول لهم ستنتهون كـ"محميين جدد" إلى ما انتهى له "المحميون القدماء"، وخّا خلاّ فيها المغرب الجلد من أرواح وأرزاق أبنائه وبناته: مزبلة التاريخ...