الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

بيان وزارة التعليم بشأن حالة الأستاذ سعيد ناشيد مكتوب بحبر مستخرج من سم الأفاعي

 
محمد نجيب كومينة
 
 
البيان الذي يتحمل سعيد أمزازي، الوزير غير الإسلامي، مسؤوليته، تمت صياغته بلغة إدارية قروسطية مشحونة بالحسد وبالحقد الإداري على كل إنسان حر وعصامي ينفلت من الضبط المحبط، بحيث لم يكتف البيان بتقديم وتعليل قرار العزل، بل مضى إلى حد القذف والسعي إلى تشويه سمعة مفكر مغربي اكتسب الاحترام والتقدير داخل البلاد وخارجها بفضل بحثه واجتهاده في ميادين الفلسفة والفكر، وإظهاره بمظهر المعلم غير المتمكن، وحتى غير الملمّ بألف باء التربية، والإنسان غير المسؤول والمتهور... وما إلى ذلك مما يصلح لملء محاضر البوليس بالاتهامات و"تغراق الشقف" ولا يصلح لصياغة بيان إدارة مسؤولة عن تدبير قطاع التربية والتعليم، المفروض أن تكون قد استوعبت أهمية التربية على الحرية وحقوق الإنسان بعد العدالة الانتقالية وطي صفحة سنوات الرصاص السابقة، التي نخشى اليوم أن يوجد هناك من يرغب في إحيائها وإرجاع البلاد القهقرى وفاء لإرث الآباء الذين تورطوا في كل ما هو سيء واساؤوا لمواطنينا وعرضوهم للتعذيب الجسدي والنفسي وكل أشكال المعاناة، التي لم توثق بعد بشكل كامل، وبالأخص في ما يتعلق بشقها المتعلق بتصرف الإدارات، ومن بينها إدارة التعليم التي كان بها مكلفون بالتدمير ونشر الظلام.
 
بيان أمزازي ضد ناشيد تمت صياغته بلغة إدارية قروسطية مشحونة بالحقد الإداري على كل إنسان حر وعصامي، بحيث تعدى تعليل قرار العزل إلى القذف والسعي إلى تشويه سمعة مفكر مغربي مما يصلح لملء محاضر البوليس بالاتهامات و"تغراق الشقف" ولا يصلح لصياغة بيان إدارة مسؤولة عن تدبير قطاع التربية والتعليم
 
ومن المثير أن بيان أمزازي، بمحاولته الإساءة للأستاذ سعيد ناشيد بطريقة خبيثة وبتصرف غير إداري وغير أخلاقي، ومناقض للضوابط القانونية المتعلقة باستعمال المعطيات الشخصية، إنما فضح بشكل سافر تكالبا ونزعة انتقامية تورط وزير التربية عبر شهادته الواردة في بيانه، وتورط رئيس الحكومة، الذي وضع توقيعه ببلاهة سياسية، على افتراض أن توقيعه لم يحركه حقد ابن تيمية على باروخ اسبينوزا، على قرار انتقامي في حق أحد مثقفي البلاد المحترمين داخليا وخارجيا.
 
ذلك أن البيان، بتأكيده أن الإدارة قامت بإعادة الأستاذ ناشيد إلى وضعيته السابقة كمعلم في الوسط القروي، بعدما تم تكليفه بتدريس مادة الفلسفة، التي يعتبر من المتخصصين والمؤلفين فيها كما تشهد على ذلك كتبه ومقالاته ومداخلاته، يفضح عملا انتقاميا رديئا حرّكته أياد آثمة تسعى لإلحاق الأذى بكل من يفكر ويجتهد خارج المنظومتين المخزنية والإسلامية ولا يمكن إخضاعه للرداءة الإدارية المحمية بنزعة التسلط!
 
بيان أمزازي مناقض للضوابط القانونية المتعلقة باستعمال المعطيات الشخصية، وفضح بشكل سافر تكالبا بين وزير التعليم ورئيس الحكومة للتوقيع على قرار انتقامي حرّكته أياد آثمة تسعى لإلحاق الأذى بكل من يفكر ويجتهد خارج المنظومتين المخزنية والإسلامية، ومن يعتبر هذا العمل عاديا لا يمكن أن يكون إلا مخبرا في إدارته أو خارجها، أو متملقا أو تابعا للذباب الإلكتروني للإسلاميين
 
من يعتبر أن هكذا تصرف مع الأستاذ ناشيد تصرفٌ عادٍ بالمعايير الإدارية لا يمكن أن يكون إلا مخبرا في إدارته أو خارجها، أو متملقا أو تابعا للذباب الإلكتروني للإسلاميين المعروف أنه تعبأ دائما للتبليغ عنه بهدف حرمانه من التدوين أو إعادة نشر مقالاته في هذا الفضاء الأزرق. ذلك أن نقله من موقع إلى موقع هكذا وكأنه كركوز غرضه إلحاق ضرر بليغ به وإرباكه ودفعه إلى ردود الفعل من أجل استغلالها ضده وإيصاله إلى وضع التسول كما لم يفت بعض الحاقدين أن يعترفوا بذلك.
 
البيان يفضح أيضا ممارسة رديئة باتت الإدارات المغربية تلجأ إليها عبر استعمال بعض البيادق، ممن وصلوا إلى الدرك الأسفل من الحقارة، للتجسس على التدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي بغرض الإيقاع بكل من تسوّل له نفسه في بلاد المخزن أن يفكر بشكل حر ويعبر بشكل حر ويتجاوز هذا الوباء الفكري الراسخ ببلادنا الذي يجعلنا ندور في حلقة مفرغة ونخطئ المواعيد مع التاريخ ونخطو دائما خطوات إلى الوراء بعد كل خطوة إلى الأمام. وهذا ما لا يليق بالدولة المغربية في حالها الحالي، ما قبل الديمقراطي، ولا يتناسب والتزاماتها الدولية، التي لاءمت دستورها مع البعض منها، ويسيء إلى سمعتها لأنها ستعتبر دولة تبث جواسيسها في كل ركن وتتجسس على مواطنيها في كل وقت وحين، وفي كل موقع، وتقتحم خصوصياتهم بدون استئذان، وهذا ما كان يَسِمُ الدول الشمولية التي ارتكبت الفظاعات في حق شعوبها وفي حق الإنسانية.
 
وذلك فضلا عن أن البيان يخلط بين الخاص والعام، ويؤكد أن هناك تصرفا في المعلومات الشخصية التي لا تهم الإدارة لا من قريب أو من بعيد، وأكاد أجزم أن ما أشار إليه البيان هو مشاركة الأستاذ ناشيد في أنشطة الاشتراكي الموحد بالدرجة الأولى، ولو شارك مع أخنوش وضيعته الحزبية لما تجرأت الإدارة على الاقتراب منه، ولتلقى من الوزير تهنئة، ولو شارك مع الزاوية أو حزب العدالة والتنمية لرفض رئيس الحكومة التوقيع على قرار العزل ولاعتبر القرار مؤامرة من وزير التربية ضد الإسلام...
 
بيان أمزازي يفضح ممارسة رديئة باتت الإدارات المغربية تلجأ إليها عبر استعمال بعض البيادق، ممن وصلوا إلى الدرك الأسفل من الحقارة، للتجسس على التدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي للإيقاع بكل من تسوّل له نفسه في بلاد المخزن أن يفكر بشكل حر، وهذا ما كان يَسِمُ الدول الشمولية التي ارتكبت الفظاعات في حق شعوبها وفي حق الإنسانية
 
البيان يفضح، أيضا، وبغباء ليس عليه من مزيد، أن في الوزارة، على الصعيد المركزي، من هم أكثر حقدا على الأستاذ سعيد ناشيد من المسؤولين الجهويين، بحيث لم يرضهم قرار المجلس التأديبي الذي اتخذ بالتوقيف لمدة ثلاثة أشهر، فقرروا، والوزير مسؤول شخصيا في هذه الحالة، اتخاذ العقوبة الأقصى بفصل الأستاذ عن العمل وتعريضه، في تصورهم، للتشرد والضياع كي لا يفكر ولا يكتب ولا يبحث بعد ذلك، ويكون بذلك عبرة لكل من لا يخضع لهم ولا يشبههم ولا ينشغل مثلهم بتصريف الأحقاد وممارسة الانتقام وتحويل عمل الإدارة إلى مجموعة من الشكليات الفارغة والمغرقة في التخلف.
 
وأكاد، كغيري، أشتم رائحة إسلاموية في القرار، وأيضا في تقرير المفتش الذي تحدث عنه البيان، مع العلم أن من معضلات التعليم ببلادنا، خلال العقود الأخيرة، توسّعَ استقطاب الإسلاميين وسط مفتشي القطاع، وتوجّهَ عدد منهم إلى ممارسة مختلف الضغوط على المعلمين والأساتذة الذين لا يتبعون لهم في مقابل التغاضي على الموالين لهم والمتملقين لهم، ولو انشغلوا عن مهامهم بالدروس الخصوصية، التي باتت تشمل التربية الإسلامية.
 
ومما يستغرب له في البيان أن مدبجيه يربطون المرض بالاستلقاء الدائم على الفراش في انتظار الموت، وكأن المريض، وكيفما كان نوع مرضه، مطالب بأن لا يفكر ولا يكتب ولا يشارك في أي نشاط تسمح به حالته الصحية، وهذا غباء أيضا، إذ أؤكد لهم أنني مريض منذ سنة وتكاد الأوجاع لا تفارقني، لكن ذلك لا يمنعني من أن أقرأ وأكتب وأدوّن وأحضر أنشطة عندما تسمح بذلك حالتي أو تهدأ أوجاعي. والبيّن أنهم أكدوا، بلا وعي، أنهم كانوا يتربصون بالأستاذ ناشيد ويستغلون مرضه للإيقاع به، بما في ذلك استعمال الجواسيس الذين يتتبعون حركاته وسكناته وبتحريض زملائه وحتى أولياء التلاميذ...
 
نحن أمام فضيحة وليس أمام بيان يليق بوزارة في دولة متحضرة يترفع مسؤولوها عن السفاسف والصغائر. ووزير التربية ورئيس الحكومة ومن معهم يسقطون بالقرار المتخذ إلى أسفل سافلين.
 
مدبجوا بيان أمزازي أكدوا، بلا وعي، أنهم كانوا يتربصون بالأستاذ ناشيد ويستغلون مرضه للإيقاع به، بما في ذلك استعمال الجواسيس الذين يتتبعون حركاته وسكناته... فنحن أمام فضيحة وليس أمام بيان يليق بوزارة في دولة متحضرة يترفع مسؤولوها عن السفاسف والصغائر. ووزير التعليم ورئيس الحكومة ومن معهم يسقطون بالقرار المتخذ إلى أسفل سافلين
 
أما في ما يتعلق بحديث البيان عن كون الأستاذ ناشيد دون المستوى ويجب أن يبذل مجهودا لرفع مستواه، فإن أي متتبع للحياة الثقافية والفكرية والبحثية في بلادنا سيعتبره نكتة من النكت "البايخة" التي لا تضحك أحدا، لأن إنتاج الأستاذ ناشيد أكسبه مكانة مرموقة وجعله اسما محترما ورائجا خارج حدود البلاد وجالبا للاحترام والتقدير للمغرب. ولعل هذا أيضا ما جعله مستهدفا، والبيان يلح على مغادرته التراب الوطني وبشكل يبيّن أن مشاركة الرجل، المعلم، في فعاليات في العالم العربي وآسيا وغيرها تثير الحسد والحنق.
 
عندما يُستهدف مثقف مغربي أتذكر الرئيس شارل دوغول لدى دفاعه عن سارتر، المعارض له بشكل جذري، وأعود إلى واقعنا الذي يضعف فيه منسوب الحضارة والتصرفات الحضارية رغم كل المظاهر الخادعة. التصرف مع الأستاذ ناشيد يجعلني أخاف على مستقبل بلادي وأجيالها الصاعدة والقادمة، فالمخزن لم يمت بعد وتحرص الإدارة المغربية على استمراره بشكله العتيق وغير المتناسب مع النظام الديمقراطي.