من هاذي للكارو.. تقديم مفطر رمضان أمام القضاء في الحسيمة وتوقّع تشكيل مطاوعية في المغرب
الكاتب :
جلال مدني
جلال مدني
بعدما اعتقلته الشرطة، أول أمس الخميس 15 أبريل 2021، وهو مُختلٍ في شاطئ "رمود" يفطر ويدخن، كان يفترض أن يجري تقديم الشاب المفطر، اليوم السبت 17 أبريل 2021، أمام المحكمة الابتدائية لمدينة الحسيمة، لكن لم تتوفر لدينا، رغم الاتصالات والاستفسارات، أي معطيات حول التقديم، هل حصل، أم جرى تأخيره وتمديد اعتقاله الاحتياطي.
إحالة الشاب، الذي جرى إيقافه، منذ يومين ووضعه تحت الحراسة النظرية، بأمر من النيابة العامة المختصة، على أنظار العدالة بمدينة الحسيمة، ستكون بتهمة الإفطار العلني في رمضان، بناء على الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، الذي ينص على أن "كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يُعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر"، إضافة إلى غرامة مالية...
وحسب مصادر "الغد 24"، فإن الشاب المعني لم يكن يتجول في أماكن عامة ويجاهر بإفطار رمضان، وإنما كان في حالة اختلاء في شاطئ رمود الجميل، الذي يوجد في ضواحي الحسيمة، وشرع يدخن، تلافيا لمضايقة الصائمين، وممارسة لحقه الشخصي في عدم صيام رمضان، كما يفعل عشرات الآلاف من المغاربة، الذين يرفضون الصوم...
ويتوزّع مفطرو رمضان هؤلاء، الذين يُعدّون بعشرات الآلاف، بين عدة فئات: هناك فئة تفطر في منازلها، وفق تربية خاصة داخل العائلة، لا تعير اهتماما ولا قيمة لشعائر دينية تعتبرها بئيسة، وترفض الانضباط لها... وهناك فئة تفطر في منازلها، لكن لوجودها في شقق بعمارات مغلقة، وتلافيا لأي مس بمشاعر الجيران الصائمين، تخرج إلى فضاءات خارجية خالية، فتدخّن ما طاب لها من السجائر قبل العودة، وهذه الفئة تنقسم إلى نوعين، هناك مفطرون يتوفرون على سيارة، يذهبون إلى مكان خال يتوقفون فيه حتى يشبعون رغبتهم في شرب الدخان، وأحيانا يحملون معهم بيرة أو اثنتين... وهناك مفطرون آخرون يستعملون أرجلهم، أو وسائل نقل عامة، ليصلوا إلى أماكن خالية ليدخنوا فيها، مثلما فعل هذا الشاب في شاطئ رمود، الذي عادة ما يكون خاليا من الناس في وقت الظهر في يوم عمل، وهو يوم الخميس... وهناك فئة أخرى من طبقة اجتماعية مترفة، وهؤلاء لا يجدون غضاضة أو إشكالا في إفطار رمضان في منازلهم وفيلاتهم، وكذلك الشأن بالنسبة لأبنائهم، مع فارق أن أبناءهم يضيقون أحيانا ببيوتاتهم المترفة، فيفضلون الأكل مع أصدقائهم وصديقاتهم في ماكدونالد (McDonald's) أو مطاعم KFC التي تقدم دجاج كنتاكي (Kentucky Fried Chicken)، فيفرحون ويمرحون وينشرحون ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون فلا تتنزّل عليهم عناصر الشرطة لتعتقلهم، كما يفعلون مع أمثال شاب رمود، ثم يرمونهم في المخافر لمدة يومين في الحراسة النظرية، ثم يقدمونهم لقاضي التحقيق، فهؤلاء لا أحد يتكلم معهم...
وبالعودة إلى النص القانوني المليء بالنفاق، وهي خصلة عُرف بها الإسلام والمسلمون، إلى درجة أن القرآن أفرد سورة كاملة للمنافقين، نجده يشير بالتخصيص إلى "كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي"، أي أن الفصل 222، نظريا، لا يُطبّق إلا على من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وهذا نص مخاتل وبئيس ومناور، يحاول أن يوهم الرأي العام الدولي أن المغرب يتمتع بالحرية الدينية، أو حرية المعتقد، أوحرية الضمير، يعني إذا أعلنت أنك لا تعتنق الإسلام، فلن يطبقوا عليك هذا النص (إذا فعلت لن نحتاج إلى التعبير عمّا سيقع من إجرام ودموية)، في حين أن المغرب، من خلال حالة مفطر الحسيمة، وأمثاله من الحالات، لم يبق له إلا أن يشكل شرطة دينية، في ما يعرفون بـ"المطاوعية"، لينقبوا في صدور الناس عن الكفار، والبحث عنهم في الزوايا الجانبية والغابات وفي شاطئ رمود، ومن عثروا عليه يعتقلونه وينتقمون منه برميه في الحبس الاحتياطي يومين قبل تقديمه إلى القضاء ليضربه بما تيسر من الحبس والغرامة... وعلى رأي المثل المغربي الدارج "من هاذي للگارو"، فإن هذا المنحى، إذا لم يقع لجمه بنضال حقوقي جريء من أجل الدفاع عن حضارية حقوق الإنسان، في أبعادها الكونية، التي تضمن حرية المعتقد ضمن كافة الحريات الفردية، فإنه غدا أو بعد غد سنفيق على عناصر شرطة دينية تفتش الناس وصدور الناس عن الوسواس الخناس...
إلى سميتكم نيت نوضوا شدوا الأكابر وأولاد وبنات الأكابر اللي كيفطروا رمضان على عينيك أبنعدي! هذا ليس تحريضا وإنما فقط لإظهار الميز الذي يلحق أبناء الشعب الواحد، أما في الواقع، فأولاد وبنات الأكابر من حقوقهم الفردية أن يفطروا رمضان دون أن يتعرّضوا لعقاب داعشي... والفصل 222 هو فصل داعشي، مثله مثل الفصل 490، وغيرهما من الفصول، التي ستبقى تخنق أنفاس الناس مادام الدولة تستطيب العيش في النفاق...