والي جهة الدارالبيضاء لدى تدشين وزير العدل للمقر الجديد لمصلحة السجل التجاري
والي جهة الدار البيضاء سعيد حميدوش.. هل يعجّل تدبيره الفاشل بإعفائه؟!
الكاتب :
"الغد 24"
مراد بورجى
كعادته في مثل هذه المناسبات، لاحظ العديد من البيضاويين كيف أن السيد والي جهة الدارالبيضاء، سعيد حميدوش، هرول صباح اليوم الاثنين للظهور أمام عدسات الكاميرات، خلال افتتاح وزير العدل، محمد بن عبد القادر، لبناية جديدة مخصصة لمصلحة السجل التجاري.
كان لافتا للنظر ظهور الوالي حميدوش من كثرة وطول غيابه عن الميدان، وتحصّنه داخل مكتبه الذي يعتكف به منذ تعيينه والياً على جهة الدارالبيضاء من خارج رحم وزارة الداخلية التي لا يمت لها بأية صلة.
الوالي حميدوش غائب عن الميدان يقضي الكثير من وقته في مكتبه، فيما المشكلات والتحديات والانتظارات الأساسية للمواطنين والمستثمرين توجد خارج مكتبه الفخم...
لا أعرف إن كان الوالي حميدوش بتذكر تلك الغضبة الملكية القوية، خلال افتتاح برلمان 2013، والتي استهلها المقرئ بالآية 72، التي تقول: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا"...
في ذلك اليوم الأغبر، شن الملك هجوما كاسحا على التدبير السائد في مدينة الدارالبيضاء، التي قال عنها "أعرفها جيدا، وتربطني بأهلها مشاعر عاطفية من المحبة والوفاء، التي أكنها لجميع المغاربة.. اعتبارا لمكانة الدارالبيضاء كقاطرة للتنمية الاقتصادية، فإن هناك إرادة قوية لجعلها قطبا ماليا دوليا. إلا أن تحقيق هذا المشروع الكبير لا يتم بمجرد اتخاذ قرار، أو بإنشاء بنايات ضخمة وفق أرقى التصاميم المعمارية"، وإنما يتطلب ذلك "توفير البنيات التحتية والخدماتية بمواصفات عالمية، وترسيخ قواعد الحكامة الجيدة، وإيجاد إطار قانوني ملائم وتكوين موارد بشرية ذات مؤهلات عالية واعتماد التقنيات وطرق التدبير الحديثة..."!
وهذا ما لم يلمسه ملك البلاد، حتى في التدبير الذي أعقب هذا الخطاب، ولذلك، جرى تعيين سعيد حميروش واليا جديدا للداراللبيضاء في 2019، لعله يكون الرجل المناسب في المكان المناسب.
ماذا كان يريد الملك هنا؟
الملك كان يريد من الوالي حميدوش تطبيقا حرفيا للتوجيهات الملكية السامية، بالخروج للميدان لتتبع الأوراش، وفتح الملفات الأساسية، خصوصًا تشجيع الاستثمار.
إلاّ أنه على العكس من ذلك تفنن الوالي في حجز ملفات أغلب المنعشين العقاريين برفوف مكتبه بدون مبرر قانوني، بل وفي شطط صارخ في استعمال السلطة...، إلى درجة أن مراقبين باتوا يتساءلون عن فحوى هذا السلوك، وما الهدف من ورائه، خصوصًا إذا علمنا أن هناك انفصاما في شخصية الوالي حميدوش الذي يقرر الترخيص لمشاريع، ثم سرعان ما يعود ليصدر قراراً شفوياً بوقف أوراش البناء لتلك المشاريع، التي سبق أن رخص لها بنفسه.
ويقرر الوالي حميدوش وقف انجاز هذه المشاريع دون سابق إنذار، ودون أن يتوصل أصحابها بتعليل مكتوب لقراراته، حسب ما يمليه القانون، وحسب توجيهات الملك الصارمة بخصوص تعليل القرارات الإدارية...
فيظهر الوالي وكأنه خارج السياق المغربي وخارج الزمن الملكي الذي جعل من تعليل القرارات الإدارية، منذ توليه الحكم، أول حدث كبير بصم عليه في خطاب الدارالبيضاء (12 أكتوبر 1999) الذي أسس فيه للمفهوم الجديد للسلطة، حيث شدد الملك محمد السادس على أن "التعليل في القرارات الإدارية من شأنه أن يحد من البيروقراطية ومن غلو السلطة التقديرية للإدارة، لأنه دعامة إضافية لدولة الحق والقانون".
وهذا ما لا يدركه الوالي حميدوش، الذي لا يعي، بالتبعية، أنه بهذه الأفعال، يتسبب في خسائر مالية كبيرة لهؤلاء المنعشين، الذين غالباً ما يضطرون إلى رفع دعاوى قضائية في مواجهة الإدارة لدى المحاكم الإدارية، التي تصدر أحكاما تلزم الوالي حميدوش بتنفيذ القانون... إلاّ أن هذه الأحكام القضائية يرفض الوالي حميدوش تنفيذها لغاية اليوم.
أصوات شكاوى المنعشين العقاريين أضحت اليوم تتعالى وتشير بأصابع الاتهام إلى تسلط الوالي حميدوش على مشاريعهم، مما يجعل المرء يتساءل: كيف إن الوالي حميدوش لا يعتبر من خطاباتٍ ملكيةٍ عدةٍ حذّر فيها الملك محمد السادس المسؤولين من التخلف عن أداء واجبهم؟!
هل السيد الوالي حميدوش لم يسمع الملك محمد السادس وهو يؤكد، في عدة خطابات، على دعم المشاريع وتسهيل مساطرها أمام المستثمرين؟
هل يعي السيد الوالي حميدوش أن الظرفية الاقتصادية الصعبة، التي يجتازها هؤلاء المنعشون تفرض عليه الخروج من اعتكافه في مكتبه لدفع عجلة الاقتصاد وتشجيع الاستثمار بدل إعاقته وعرقلته؟
ففي يناير الماضي فقط، تجدد غضب الملك على مسؤولي الدارالبيضاء، السبب المباشر كان هو سوء تدبير الشأن المحلي البيضاوي أمام الفيضانات، فقد كان تدبيرا كارثيا، ولم يغادر الوالي حميدوش مكتبه الا بعد احتجاجات المواطنين والغضب العارم الذي ساد الفضاء الأزرق ورواد مواقع التواصل الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني... وهذا السبب كان فقط بمثابة النقطة التي أفاضت كأس الغضبة الملكية، إذ إن سوء التسيير والتدبير شمل مختلف المناحي والمجالات، منها جائحة كوفيد 19، التي تُعتبر الدارالبيضاء هي أفشل منطقة في تدبير انتشار فيروس كورونا المستجد، وهي اليوم بؤرة للسلالات المتحورة، وفي مقدمة إحصائيات الإصابات والوفيات، وانتشار الوباء في المعامل والأحياء الصناعية، وفي المدارس، إذ إن أغلب مؤسساتها التعليمية تعرضت للإغلاق، والدارالبيضاء مازالت، كما تكلم عنها الملك منذ سنوات، تملأها الأوساخ، ومازالت على حالها، مرتعا للقاذورات والحفر، وأغلب المشاريع الملكية بالعاصمة الاقتصادية مازالت تراوح مكانها، بدءا من تهيئة المدينة القديمة، إلى مختلف الأوراش التجارية والصناعية، وصولا إلى توجيهات الملك الصارمة بشأن تبسيط المساطر وتشجيع المستثمرين والمنعشين العقاريين... في كل هذه الملفات، وغيرها كثير، كان الفشل هو عنوان التدبير، الذي كان سببه الاختلاء في المكتب، وعرقلة العديد من المشاريع التنموية، واعتماد قرارات شفوية والامتناع عن القرارات الكتابية في تعليل القرارات الإدارية المتخذة...
الدارالبيضاء ليست أيتها مدينة، إنها المدينة التي يعرفها الملك جيدا، والتي ينتظر منها الكثير، ومن مسؤوليها أكثر، ولذلك، فالدارالبيضاء، اليوم، في حاجة إلى والي يفهم جيدا معنى التوجيهات الملكية، وليس واليا قد لا يكون على بيّنة مما جاء في خطاب الدارالبيضاء.. العاصمة الاقتصادية اليوم تحتاج واليا من رحم وزارة الداخلية التي بها العديد من الأطر المؤهلة، التي راكمت الكثير من الخبرات في التدبير بكل احترافية ومهنية ومسؤولية وجدارة وفعالية، وهي صفات تتوفر في عدد من عمال مقاطعات الدارالبيضاء الذين اشتغلوا مع الملك لعشرات السنين قبل أن يجدوا أنفسهم اليوم رهينة عند الوالي حميدوش...
_____________________________________
إعلامي ومدير الوكالة الدولية للصحافة والاتصال AIC Press