الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الملك الراحل الحسن الثاني في حديث إلى ضيوفه في إحدى الحفلات المنظمة بالقصر

عندما خرج الحسن الثاني بلباس النوم وصاح غاضبا أثناء محاولة اقتلاع فرنسي نافورة في قصر فاس بمطرقة

 
حسن عين الحياة
 
يؤرخ الإعلامي المخضرم الصديق معنينو للحظة مهمة في تاريخ الخطب الملكية، بعد أن تقرر نقلها بالألوان لأول مرة.. كان ذلك في خطاب العرش لسنة 1973 الذي ألقاه الملك الراحل الحسن الثاني من القصر الملكي بمدينة فاس. ولأن اللحظة مهمة للغاية فإنها لم تخلُ من طرائف..
كانت حفلات العرش خلال هذه السنة في فاس قد جرت في أجواء من "الفرحة العارمة"... ورغبة في إعطاء بهجة خاصة لهذه الاحتفالات، يقول معنينو، "استقدمت التلفزة المغربية التي كانت تبث بالأبيض والأسود... حافلة فرنسية تُسجل وتبث بالألوان، يصاحبها طاقم من التقنيين الفنيين الفرنسيين.. وكانطلاقة لعمل هذا الطاقم تقرر نقل الخطاب الملكي، لأول مرة بالألوان".
وحسب معنينو، كان الملك وقتها، على علم بالأمر، لذلك أعطى تعليماته إلى المسؤولين في القصر الملكي بفاس، لتسهيل مأمورية الطاقم الفرنسي والاستجابة لطلباته.
داخل القصر الملكي بفاس، وبالمكان المعروف "بدار الفاسية"، يقول معنينو في كتابه القيم "الفتح المبين" في جزئه الثاني، اختار الحسن الثاني تسجيل خطاب العرش... "كان ذلك وسط باحة تلك الدار حيث توجد، كما هو الشأن في الدور المغربية التقليدية، نافورة ماء مصنوعة من المرمر الأبيض... إلى جانبها وضع مكتب خشبي، فريد المنظر ودقيق الصناعة، وكرسي متحرك... هناك سيجلس الملك ليوجه الخطاب... قبالة المكتب طاولة صغيرة عليها جهاز للتلفزة، ألف الحسن الثاني وضعه أمامه في كل خطبه، إذ عبره كان يتابع الصورة ويراقبها".
وحسب معنينو، بادر المخرج الفرنسي إلى إصدار تعليماته إلى "قائد المشور" قائلا: "... لا بد من إزالة الطاولة والتلفاز، ولابد من اقتلاع النافورة".
هنا، يقول الإعلامي، شعرت فورا أن خطاب فاس، سيدخل ذاكرتي، وأننا مقبلون على غضبة ملكية عارمة، لذلك ابتعدت إلى ركن الدار مختفيا عن الأنظار... بعد حين وصل عامل وبيده مطرقة وقطعة حديد.. أخذ في ضرب القاعدة الرخامية للنافورة بهدف إزالتها... انطلقت الضربات ورددت جدران القصر صداها العنيف.
فجأة، يواصل معنينو وصف ما جرى ذاك اليوم.. "أطل الملك من "دربوز" الطابق الأول.. صاح الحسن الثاني غاضبا (ماذا تفعلون؟ ماذا تفعلون؟ أوقفوا هذا العبث؟؟ هل أنت واعون؟ فورا... فورا.. أوقفوا هذا الصداع...!) تسمرنا في أماكننا، وارتابنا خوف شديد، فلأول مرة شاهدت الملك في لباس للنوم، يصيح بأعلى صوته مصدرا أوامره بتوقيف هذا العبث"...
كان فعلا عبثا، هذا هو الاستنتاج الذي خرج به معنينو.. فـ "الخصة"، أي "النافورة"، التي أراد المخرج الفرنسي اقتلاعها يرجع تاريخها إلى عهود، هي جزء من الحضارة والثقافة والتراث، ولا يمكن بقرار مزاجي انتزاعها من مكانها... لذلك، "ظلت الحركة متوقفة.. فرَّ العامل المكلف بالحفر واكفهر الجو وساد الصمت.. وبعد حوالي نصف ساعة من الترقب أرجعت الطاولة والتلفاز إلى مكانهما وتابع التقنيون الفرنسيون استعداداتهم مع اتخاذ كافة الاحتياطات لعدم الإزعاج"، يقول معنينو، قبل أن يضيف "في الساعة المحددة للتسجيل وصل الحسن الثاني، وطلب فنجان قهوة وأشعل سيجارة، وراح في حديث مع بعض مساعديه.. تقدم المخرج الفرنسي للسلام عليه وجدد طلبه بإزالة التلفاز فأجابه الملك بصرامة.. (قم بعملك وأنا أقوم بعملي.. والتلفاز يظل في مكانه..) تراجع المخرج مرددا "نعم... نعم صاحب الجلالة..."، يقول معنينو.