الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
الملك الراحل الحسن الثاني في اجتماع عسكري

الحسن الثاني وجها لوجه مع الموت.. نجا بأعجوبة من محاولات للقتل واحتمال النجاة من إحداها 1 من المليون

 
حسن عين الحياة
 
من الصور التي جعلت الحسن الثاني حيا في أذهان المغاربة، تلك التي جعلته يتجلى في صفة "الملك الذي لا يقهر"، أو الملك الذي لم تنل منه كل المحاولات التي رمى من خلالها خصومه إلى قتله، أو على الأقل دفعه إلى التنحي عن العرش.
وانطلاقا من المعطيات المتوفرة لدينا، فقد وجد الملك الراحل الحسن الثاني نفسه مرات عديدة أمام موت محقق، بعض هذه الأحداث كانت خطيرة جدا، وأخرى كان فيها الملك قاب قوسين أو أدنى من الموت، لكن –وهنا تكمن الأعجوبة- كان الحسن الثاني يفلت من كل الأخطار التي كانت تستهدف سلامته الشخصية، مثل شعرة من العجين.
المعطيات ذاتها، تقول إن هناك عدة محاولات استهدفت حياة ملك مباشرة.. منها من وجد نفسه من خلالها وجها لوجه مع الموت، ومنها ما كان عنصر الزمن، وأحيانا "البركة"، مانعا من نجاح ما يمكن تسميته بمحاولات الاغتيال.
وإذا كان البعض قد حصر محاولات اغتيال الملك في عدد لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة، فإن هناك من أحصاها في 18 محاولة كانت تروم تصفية الحسن الثاني.. بعضها انطلقت من مؤامرات داخلية بمحيطه الضيق، وأخرى خارجية بتوجيهات من خصوم المملكة آنذاك. لكن تظل محاولة انقلاب الصخيرات سنة 1971 ومحاولة إسقاط طائرة "البوينغ" الملكية بمضيق جبل طارق سنة 1972 أبرز حدثين كاد من خلالهما الملك أن يلقى حتفه، لتكون نجاته منهما أشبه بالمعجزة عند المغاربة، بالتالي تجليه في صورة الملك الذي لا يُقهر، وهي صفة لم تكن مجانية، لانطلاقها من أحداث واقعية، دراماتيكية ومأساوية بالدرجة الأولى.
في المحاولة الأولى كان حظ الملك في النجاة ضئيلا جدا، بالنظر إلى حجم القتلى الذين صبغوا بدمائهم الحمراء الإسفلت الرخامي قصر الصخيرات واخضرار العشب على جنباته.. إذ لولا فطنة الملك، وهو رافع يديه أمام جندي مجبول على القتل بالقصر برشاشه الطائش، وتدخله في الوقت المناسب آمرا الجندي أمامه بالطاعة، لكان الملك في عداد الموتى آنذاك.
ففي إحدى تصريحاته، وصف الحسن الثاني حادثة محاصرته من طرف جنود اعبابو بتفصيل دقيق، حيث قال، في استجواب أجراه مع مجلة "باري ماتش" الفرنسية عدد 1959، جوابا عن كيف تم إطلاق سراحه من قبضة هؤلاء الجنود: "كنت مسجونا داخل القاعة رفقة مقربين مني، يصرخ في وجهي أحد الجنود، تظهر عليه قساوة غير مسبوقة: "لا تتحرك وإلا سأقتلك"، وفي تلك اللحظة سيأمرني بمرافقته، وكنت اعتقدت أنه سيقتلني، وأنه مع شيء من الحشمة، إذا تجرأت على قول ذلك، يريد أن تكون عملية القتل وجها لوجه دون شاهد، كان يبدو عليه القلق إلى درجة أن رشاشه كان يرتجف بين ذراعه، فجأة حدثت المفاجأة، أدى سجاني التحية العسكرية وسلم علي حسب الطريقة العسكرية".. بعدها باغته الملك بسؤال "لماذا لم تقبل يدي، هل أصبحتم كلكم مجانين، أنتم جنود الجيش الملكي، أبنائي"، ما إن أنهى الملك سؤاله حتى ظهر نوع من الحرج على الجندي، ليستعطف ملكه قائلا: "سيدي لا تتحدثوا بصوت عال، ما زال هناك الكثير من الناس يريدون بكم الشر". مباشرة بعد ذلك سيلتحق جنود آخرون بالملك، ومن ثمة استعاد تحكمه في زمام الأمور.. هذه الحادثة التي راح ضحيتها مئات من ضيوف الملك الذي كان يحتفل بعيد ميلاده الثاني والأربعين، رسخت صورة "الملك المبارك" الذي تحفه البركة في أذهان المغاربة.. بل ستترسخ هذه الصورة أكثر بعد سنة فقط على مرور هذا الحادث المأساوي.. إذ إن نجاة الحسن الثاني سنة 1972، وهو عائد من فرنسا على متن طائرة "البوينغ الملكية"، حسب أحد مرافقيه (رايمون ساسيا) الذي كان مكلفا بحراسته، كانت شبه منعدمة، ذلك أن قصفها من طرف الطيارين التابعين لأوفقير أحدث خرابا فيها وهي في الجو، إلى درجة –يقول ساسيا- أنه "بعد أيام صرح خبراء أمريكيون جاؤوا لمعاينة الطائرة بأنه لم يكن لنا حظ واحد من مليون للوصول بسلام، لكننا وصلنا".
وفي كتابه "ذاكرة ملك"، خص الحسن الثاني الحادثة بأهمية بالغة، كاشفا عن أنه رغم هجوم سرب المقاتلات لطائرته الملكية إلا أنه كان مؤمنا بالنجاة، وقال في الكتاب ذاته إنه تلا دعاء يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرأه لم يمت في يومه، "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم".
إن هذا الإيمان والحديث عنه من طرف الحسن الثاني بكثير من التفصيل في ارتباطه بالأزمات والمحن، كان عاملا في ترويج أخبار تقول إنه يحظى بـ"البركة"، وأنه مُمنَّع ضد القتل.. وهي صفة ظلت مرتسمة في أذهان المغاربة إلى الآن كلما تطرقوا إلى موضوع الانقلابات التي حاول خصومه من خلالها النيل منه.