الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
أردوغان وبنكيران

أنقرة والرباط والاصطدام المؤجل.. أردوغان متورط بما يكفي مع إخوان بنكيران ضد مصالح المغرب

 
سعيد جعفر
 
 
الظاهر أن تركيا متورطة بما يكفي ضد مصالح المغرب، والأخبار القادمة من "العلب السوداء" تقول إن المغرب وقف فعلا عند تنسيق جزائري تركي لإقامة نواة عسكرية في الكويرة بغية إعادة سيناريو سوريا.
ومن دون شك، فالمغرب لم يغفر لتركيا سعيها لإقبار مُخرجات اتفاق الصخيرات السياسي وحرصها المبالغ فيه على استبعاد المغرب وإدراج الجزائر ضمن لقاء برلين.
كان المغرب، بحدسه السياسي، يعرف أن هذه الضربة المزدوجة من أردوغان لها ثمن، ولها أهداف وآثار، وبدون شك فهو يعرف أن الثمن سيكون اقتصاديا وسياسيا وجغرافيا وسيكون استراتيجيا.
لا ينتبه المغرب كثيرا للثمن الاقتصادي، فهو متعود على الرشاوى الجزائرية للحكومات والأنظمة منذ بداية استنزاف بومدين للمغرب، ولكنه سينتبه كثيرا للأهداف السياسية والجغرافية والأهداف الاستراتيجية لتركيا خصوصا.
منذ مدة أصبح النظام في الجزائر معزولا، أولا لتراجع مداخيل البترول والغاز بتزامن مع توقف الأنشطة الصناعية بسبب وباء كورونا، وهو ما شجّع صراعا داخليا للأجنحة حول التموقع أكبر في مربع السلطة، خصوصا بعد وفاة قطب العسكر قايد صالح، وبداية تنافس بين جنرالات من نفس الجيل ونفس توازن القوى... وثانيا لتغير معاملات العلاقات الدولية في العشرية الأخيرة لصالح قطبية أحادية سيكون لها امتداد سياسي واقتصادي وجغرافي في شمال إفريقيا ودول الساحل.
في مواجهة هذا المخطط سيتصرف المغرب في ثلاث مناسبات بحزم وبقوة،
أولا،
عبر إعادة النظر في اتفاقية التبادل التجاري مع تركيا. ورغم أن ما أثير إعلاميا عن تضرر الطرف المغربي بحوالي ملياري دولار كل سنة، فإن غير الظاهر هو الأسباب السياسية وراء قرار كهذا، فمعلوم أن المغرب يخسر في عدد من اتفاقيات التبادل، وسيخسر في أخرى، ولكنه قد يعوض الربح المالي بالربح السياسي.
إنه في حالة مراجعة الاتفاقية مع تركيا كانت هناك مراجعة للشروط السياسية للتعامل وليس الشروط التجارية في ذاتها.
ثانيا،
عبر تحييد الحضور التركي في ليبيا وإقبار كل مخرجات لقاء برلين بإحداث المغرب لآلية سياسية جديدة بضمانات من الملك محمد السادس نفسه وبتنفيذ من وزير الخارجية ناصر بوريطة، الذي قاد المفاوضات بين أطراف الصراع في ليبيا في جولتي بوزنيقة وطنجة ولقاءات الكواليس.
ويبدو أن مخرجات الاتفاق السياسي بالمغرب تتجاوز بكثير مخرجات لقاء برلين لأنها مبنية على الأخوة والقرابة والمصلحة والوطن، ولا أثر فيها للتقسيمات ذات الطبيعة العسكرية والاستعمارية.
ثالثا،
عبر تصريف المغرب لسيادته كاملة في مواجهة تركيا، إذ إن قرار المملكة بعدم إدراج الرباط ضمن زيارة أردوغان التي شملت الجزائر والسينغال وغامبيا في يونيو 2020 إلى حين توضيح الأمور، يكشف عن انزعاج واستعلام جيد للمملكة بأدوار تركيا في المنطقة وفي علاقتها بالجزائر.
لقد قام مربع الحكم التركي بالمستحيل لاختراق المغرب ثم "ترقيده" سياسيا عبر أدوات ووسطاء متعددين في أفق تحقيق طموحه في جعل المغرب نقطة عبوره لإفريقيا ضمن مخطط الامبراطورية العثمانية الجديدة، ولكنه لم ينجح.
1- لقد تبين بوضوح اليوم أن دعم تركيا وقطر والإخوان المسلمين للتيار الإخواني في العدالة والتنمية حقيقة غير محجوبة.
لقد كانت أجهزة الدولة تعرف هذا جيدا، ولكنها كانت مقيدة بمخطط الشرق الأوسط الكبير منذ 2011 ولم تكن لها خيارات كثيرة غير احتواء هذا المعطى السياسي وتقييده وضبطه من الداخل، ومن يتذكر الصعوبات التي عرفها المغرب غداة 2011 والحوادث الحكومية سيتذكر الأمر بوضوح شديد.
إن سنة 2013 ستبقى راسخة في صفحة هذا الاختراق التركي، عبر عبد الإله بنكيران بشخصه، الذي سيستقبل طيب رجب أردوغان بالرباط ضمن وفد من رجال أعماله ومخابراته، حيث سيقاطعه CGEM بالمغرب ويكون الملك خارج المغرب.
ستكون هذه الزيارة وما تلاها من احتفالية في المقر المركزي للبيجيدي بحي الليمون ومقر ما يسمى باتحاد علماء المسلمين! بالدوحة، ومقر "الغوليكا" (التسمية القدحية لكبار رجال المال بأنقرة) بداية اختراق أول للمغرب بتوظيف حزب العدالة والتنمية الحاكم، وخصوصا تياره الإخواني بقيادة بنكيران.
وهذا ما سيفسر لاحقا في 2020 عصيان الفريق النيابي للبيجيدي ضد مراجعة شروط انفاقية التبادل التجاري مع تركيا رغم أنه يعرف أن قرار المراجعة هو قرار سيادي وأنه سياسي أكثر مما هو تجاري.
2- وبعد أن فقدت تركيا ذراعا سياسيا في المغرب بإعفاء بنكيران وبداية تفكك التيار الإخواني في البيجيدي، بدأ مربع الحكم بمحيط أردوغان يتحرك في مستويات أخرى، حيث سيستغل تشاويس أوغلو الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة ليقترح على ناصر بوريطة زيارة أردوغان للمغرب وملاقاة جلالة الملك.
وبعدها مباشرة سيخرج تشاويس للإخبار بأنه ستكون زيارة لأردوغان للمغرب وسيكون لقاء بالملك محمد السادس.
كان الأمر سيكون أشبه بحفلة عشاء كبيرة لتاجر شاطر، يقبر جهود المغرب في الصخيرات ويستبعد المملكة مقابل تقريب وإشراك الجزائر ثم عقد مخططات مشتركة معها في المنطقة، وبعدها زيارة المغرب وترگاده.
إنها لعمري وقاحة سياسية كبيرة.
بيد أن المغرب كان حازما: سيعدل اتفاقية التبادل التجاري، ثم سيقبر مخرجات اتفاق برلين، وسيخبر تركيا بعدم وضع الرباط ضمن دول جولة أردوغان،
وأخيرا سيفاجئ المغرب الجميع باتفاق مع أمريكا.