رجل بـ"عينين لا تنامان" الأمن الوطني و"الديستي": عبد اللطيف الحموشي.. قاهر خلايا التطرف والإرهاب
الكاتب :
حسن عين الحياة
حسن عين الحياة
بعينين صقريتين.. قمحيتين ومائلتين إلى السواد، وحاجبين كثيفين، بدا عبد اللطيف الحموشي، يوم أمس الخميس، أثناء تفكيك خلية إرهابية عابرة للمدن، يراقب كل شيء عن كثب.. يوجه وينسق بين عناصر المكتب المركزي للأبحاث القضائية، من ميدان العملية، بكثير من الحرص، وبقدر وافر من المسؤولية لإنجاح خطة تفتيتها في أربع مدن، تمارة، الصخيرات، تيفلت وطنجة، في زمن واحد، وبالنجاعة التي أصبحت علامة مميزة للجهاز الأمني في المغرب. وكان الحموشي عاديا في تحركاته، وفي حديثه مع عناصره الأمنية اليقظة، كما لو أنه واحد منهم، وليس مديرا لهم، يوجه العمليات بالهاتف.
الحموشي ليس من عشاق الأضواء ولا من المتيمين بالتقاط الصور ولا من محبي الظهور في وسائل الإعلام.. وكان بإمكانه، مادام الصيد ثمينا هذه المرة، أن يظهر ببزته الرسمية، بنياشينها اللافتة للانتباه، لكنه آثر قيادة عملية التفكيك، بنفسه، بزي مدني، يعكس فلسفة القرب التي نهجها منذ تعيينه مديرا عاما لمراقبة التراب الوطني، وبعدها مديرا عاما لجهاز الأمن الوطني. كان الحموشي بالكْويرة والدجين والصبادريلة...
الحموشي، وفق المحتكين به، علمته الدُربة والتدرج في أسلاك الأمن، أن يظل يقظا، وأن يشتغل من عمق الإنسان الدي يسكنه، ولا فرق عنده بين مكتب وميدان، إلإ في النجاعة والاستباق والسرعة في إصابة الهدف.. لذلك، بدا، أمس الخميس، قريبا أكثر من أي وقت مضى، لعناصره الأمنية، التي ترى في وجوده معهم، في بؤرة خطيرة، دعما معنويا لهم، وكذلك قريبا للناس.. للمتجمهرين الذين حجوا لمشاهدة "العين التي لا تنام".. وأيضا للمغاربة، في أنحاء المدن، ممن وصلتهم صوره، وهو يقود العملية بنفسه، بعيدا عن المكتب، وفي ظرف موسوم بالوباء، بجائحة كورونا...
بدا فارع الطول، حريصا على وضع الكمامة، وأريحيا في حديثه مع محيطه الأمني.. كما ظهر الحموشي تلقائيا وهو يتحرك صوب المنزل الذي جعل منه أحد الإرهابيين معملا للنسف، بحذاء رياضي أسود مُسَوَّر بالبياض، وسروال جينز وجاكيطة جلدية سوداء وقميص أبيض.. وما لفت الانتباه أكثر، هو منحه الأولوية لعنصر أمني من قوات التدخل السريع، في أن يسبقه إلى مسرح العملية.. إلى وكر الإرهاب، واضعا التراتبية جانبا.
واليوم الجمعة، يؤكد عبد الحق الخيام، مدير "البسيج" في الندوة الصحفية التي عقدها لتسليط الضوء على العملية الإرهابية، أن حضور الحموشي ميدانيا يوضح بجلاء الأهمية القصوى التي يوليها لأمن المملكة، قبل أن يكشف على أنها ليست المرة الأولى التي يحضر فيها الحموشي لعمليات تفكيك الخلايا الإرهابية، وأنه يتابع كل شيء عن كثب "وهو أمر يثلج الصدر" يقول الخيام.
في الواقع، لم يكن الرجل في حاجة إلى ضربة حظ، حتى يصل إلى هذا المستوى الكبير من المسؤولية.. فهو الآن رجل الدولة الذي يمسك بجهازين حساسين، هما الأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، المعروفة اختصارا بـ"الديستي".. واللذين لا يمكن أن يجتمعا في يد رجل واحد، لو لم يكن ذلك مشفوعا بالرضا الملكي. كما لم يسبق أن جمع رجل بين جهازين أمنيين ثقيلين، وأدارهما بسلاسة وبفعالية، وجعلهما مكملين لبعضهما البعض، على مستوى التنسيق، كما فعل الحموشي، ولعل ذلك، يرجع إلى تكوينه وتدرجه في أسلاك الأمن، مما أكسبه الكفاءة والحنكة والإبداع في العمل الأمني.
كان عبد اللطيف الحموشي شابا فطنا حينما التحق بجهاز الديستي في بداية التسعينيات من القرن الماضي. فبعد تخرجه من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، تمكن بعد مسار طويل في الخدمة، أن ينحت اسمه في سجل الأمنيين الكبار في المغرب.. وخلال السنوات القليلة الماضية، غازلته العديد من الأنظمة العربية والغربية، وخطبت وده، وسعت إلى الاستفادة من خبرة المغرب في الضبط والتأطير، ومحاربة الجريمة المنظمة والأخرى العابرة للقارات، فضلا عن حنكة المملكة في اجتثاث بذور التطرف والإرهاب من التربة المغربية... وهي مميزات، يقف خلفها الرجل بتواضع المخضرمين، الذين يشتغلون في صمت، بعيدا عن بؤر الضوء.
قبل خمس سنوات، وتحديدا خلال سنة 2015، تردد اسم عبد اللطيف الحموشي على أكثر من لسان، واحتل هذا الاسم واجهة العديد من الصحف الوطنية والأجنبية، بدءا بتعيينه على رأس جهاز الأمن الوطني، يوم الجمعة 15 ماي من السنة نفسها، خلفا للمدير العام السابق بوشعيب أرميل، مرورا بحجم الإطراء والمديح الذي حفت به بعض الدول الأوروبية جهازه، بعد تمكنه من تفكيك شيفرات عدة خلايا إرهابية نائمة في بعض الدول الأوروبية، كفرنسا، إسبانيا، إيطاليا، هولندا وبلجيكا، قبل أن يبزغ نجم الحموشي بوهج أكبر هذه مرة، خلال تفجيرات باريس، في 13 نونبر 2015، خاصة عندما اعترفت فرنسا، رسميا، بالدور الكبير الذي لعبه المغرب في تفكيك لغز خلية الانتحاري عبد الحميد أباعوض، وكيف تمكنت الأجهزة الأمنية المغربية من الكشف عن خفايا هذه الخلية وارتباطاتها العنقودية بداعش، ناهيك عن تجنيب باريس، المكلومة آنذاك، تفجيرات أخرى في منطقة "سان دوني"، كانت على وشك أن تعمق من جراحاتها التي لم تندمل رغم مرور خمس سنوات.. ولعل ذلك هو ما جعل بلجيكا وقتها، التي تحولت فجأة إلى بيئة حاضنة للإرهاب، من خلال حيها الشهير "مولنبيك"، إلى توجيه طلب رسمي، من خلال عاهلها، إلى الملك محمد السادس، قصد مساعدة المغرب لبلده في محاربة الإرهاب، ما أسفر عن تحليق كل من الحموشي حينها، بصفته المدير العام لمراقبة التراب الوطني، وياسين المنصوري، المدير العام لمديرية الدراسات والمستندات، إلى بروكسيل، للتباحث مع نظيريهما البلجيكيين لتعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني بين البلدين.
في السياق نفسه، وفي مثل هذا الشهر من السنة المنصرمة (2019)، وللمرة الثانية، وشحت إسبانا الحموشي، بوسام الاستحقاق "الصليب الأكبر" للحرس المدني الإسباني، بعدما صدر مرسوم ملكي بهذا الشأن في الجريدة الرسمية. وشكل هذا التوشيح اعترافا إسبانيا ودوليا بالدور الذي يلعبه الحموشي، في تكريس التعاون الأمني النموذجي بين المغرب وإسبانيا... وكانت إسبانيا، نفسها، وشحت الحموشي، سنة 2014، بوسام "الصليب الشرفي للاستحقاق الأمني بتميز أحمر".
علما أن الحكومة الفرنسية، بدورها، وإضافة إلى سنة 2015، كانت وشحت الحموشي بوسام استحقاق من درجة ضابط جوق الشرف، كما سبق أن تم توشيحه، قبل ذلك، عام 2011 بوسام من درجة فارس...
اليوم، ومن خلال الضربة الموجعة التي وجهها الحموشي ورجاله للخلية الإرهابية الجديدة بتمارة والصخيرات وتيفلت وطنجة، يكرس الرجل صفة "العين التي لا تنام" التي ظلت لصيقة به منذ سنوات، كما جعلته هذه العملية الميدانية أكثر اسم تردد في وسائل الإعلام، والأكثر حركية ودينامية وفاعلية أيضا ضمن الشخصيات العمومية بالبلاد.
لقد بعث الحموشي، منذ تسلمه زمام الجهازين الأمنين الأكثر حساسية في المملكة، دينامية للفعل الأمني في البلاد، ويكفي العودة إلى مارس 2015، والوقوف على افتتاح المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي يديره إطار أمني مُجرّب ومحنك وكُفء عبد الحق الخيام، وهو مكتب تابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، لنكتشف كيف أضفى الحموشي، من خلال هذا المكتب، صبغة الشفافية على عمل الجهاز الاستخباراتي في المغرب، وكيف حوله إلى ذراع قانوني، يكرس حق المغاربة في الوصول إلى المعلومة، عبر الأخبار الآنية عن عمل الأجهزة الأمنية، وتدخلاتها الناجعة والاستباقية لمحاربة الجريمة المنظمة، أو تلك المتعلقة بمحاربة الإرهاب والتطرف، فضلا عن بعث الاطمئنان بشكل دائم في نفوس المغاربة، من خلال إحباط العديد من المخططات الإرهابية، التي تسعى إلى كسر الاستثناء المغربي، وزعزعة الأمن والاستقرار.
لقد مرت حوالي 15 سنة على تعيين هذا الرجل كمدير عام لجهاز "الديستي" (دجنبر 2005)، وهي مدة تمكن من خلالها من أن يجعل هذا الجهاز، الذي يحمل تاريخا ضبابيا، مؤسسة محترمة دوليا، ومشهود لها بالكفاءة والنجاعة والفاعلية والضربات الاستباقية، وفوق ذلك العمل بشفافية.. وبالتالي، كان تعيينه على رأس جهاز الأمن الوطني، يهدف إلى إعادة الاعتبار لهذه المؤسسة أيضا، وكذا تأهيل العناصر البشرية لتكون في مستوى التحديات الراهنة.. لذلك، يلاحظ المتتبعون كيف بدأ الحموشي بتنقية الإدارة العامة من الشوائب، وإعادة الثقة في رجل الأمن، مع اجتهاداته الرامية إلى تحسين صورة المؤسسة، عبر استراتيجية جديدة وحلة جديدة أيضا.. "برافو الحموشي"...