تحقيق.. بالتفاصيل والأسماء والمناورات.. الروائح السياسية لمطرح النفايات في سيدي يحيى الغرب
الكاتب :
"الغد 24"
تحقيق: "الغد 24"
كشف مسؤولون سابقون بالمجلس الجماعي لسيدي يحيى الغرب، في تصريحات موثقة، عما وصفوه بـ"فضيحة القرن"، في إحالة على عمليات طمر الاتفاق الإطار، الموقع سنة 2005، بين الجماعة الحضرية لسيدي يحيى الغرب والجماعة القروية لعامر السفلية، في شأن تحويل مطرح النفايات إلى الجماعة القروية المذكورة.
مطرح النفايات، أصبح اليوم، وعلى بعد سنة واحدة من الانتخابات، ساحة حرب بين عدة أطراف، برهانات مختلفة. فالاتحاد الدستوري، الذي يهيمن على مجالس الإقليم، يستعجل طمر (القضية) في مركز التحويل المزمع إنجازه بالمدار الحضري لسيدي يحيى الغرب، وهو ما يرفضه الحراك البيئي بالمدينة ويطالب بتنفيذ مضمون الاتفاق الإطار. أما حزب العدالة والتنمية، الذي أُزيح، في الولاية الانتدابية الحالية، من رئاسة جماعتي سيدي يحيى الغرب وسيدي سليمان، يدخل على الخط لمعاركة الاتحاد الدستوري في (معقله الانتخابي) من منفذ مطرح النفايات.
موقع "الغد 24"، يفتح، في تحقيق حصري، العلبة السوداء لأكبر قضية تشغل الرأي العام المحلي. وإليكم تركيبا لأهم الأحداث، وما تخفيه من صراعات تجعل قضايا البيئة والحق في التنمية، باعتبارهما سياسة استراتيجية للدولة وحق للمواطن، وقودا غير نظيف للرهانات الانتخابية الضيقة في الإقليم...
المسؤولية السياسية (للحصان) أزمة مطرح النفايات
تفجرت قضية مطرح النفايات إثر نشر مجموعة الجماعات الترابية بني احسن بإقليم سيدي سليمان، التي يرأسها قيادي بالاتحاد الدستوري، لخبر إغلاق المطرح العشوائي بسيدي يحيى الغرب وإنشاء، في المكان ذاته، مركز لتحويل النفايات بقيمة إجمالية 1.6 مليون درهم.
هذا الخبر (الصادم) رفضته فعاليات المجتمع المدني بالمدينة، لأن توطينه الجغرافي مخالف للقوانين البيئية، وسيؤدي إلى أضرار بيئية وصحية وتنموية، وفق مضمون ما نشرته هيئات (الحراك البيئي) في بياناتها الاستنكارية.
من جهته، حاول علي مليح، رئيس المجلس الجماعي لسيدي يحيى الغرب، ينتمي بدوره إلى الاتحاد الدستوري، إقناع مكونات (الحراك البيئي)، في اجتماعات تشاورية ولقاءات تواصلية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأهمية إنشاء مركز التحويل بالمعايير الجغرافية والتقنية الحالية، غير أن فعاليات المجتمع المدني رفضت (دفوعات) علي مليح بدعوى أن مواقفه مبنية على (التضامن الحزبي) مع باقي المؤسسات الانتخابية التي يقودها الحصان، ولا تدافع عن المصالح الحيوية للمدينة التي يرأسها.
لكن سير الأحداث سيتخذ، مؤخرا، منعطفا جديدا بعد التصريحات، التي عبر عنها مسؤولون سياسيون وإداريون سابقون، أفادت أن (حل) مشكل مطرح النفايات العشوائي يوجد في الاتفاق الإطار لسنة 2005 بين جماعتي سيدي يحيى الغرب وجماعة عامر السفلية، خاصة وأن كل الجماعات المعنية بتدبير هذا الملف (بما فيها جماعة عامر الشمالية المحدثة لاحقا) يرأسها الاتحاد الدستوري، وبالتالي فإن التزامات كل الأطراف تفرض تنفيذ محتوى الاتفاق المذكور.
وفي تعليق على هذه المعطيات، قال فاعل جمعوي، رفض الكشف عن هويته، أن الاستعجال في إنشاء (مركز التحويل) بقلب المدار الحضري، لمدينة تعاني من انحسار مجالي (أصغر مجال جماعي في الإقليم)، يهدف إلى ما وصفه بطمر التزامات الاتفاق الإطار، وهو ما يعني حرمان مدينة سيدي يحيى الغرب، التي نفذت التزامها بتحويل السوق الأسبوعي كمورد مالي رئيسي، من حقوقها المضمونة بموجب الاتفاق المذكور (حيز جغرافي لمطرح النفايات وآخر لتوسيع المقبرة الإسلامية).
ونبه الفاعل الجمعوي ذاته إلى أن دفاع الاتحاد الدستوري على توطين مطرح النفايات داخل المجال الحضري لسيدي يحيى الغرب سيبعث برسائل سلبية إلى كتلته الانتخابية في المدينة، وسيخلق بيئة انتخابية رافضة للحزب في سياق انتخابي حارق، بعد تدشين دخول حزب العدالة والتنمية على الخط بعدة إشارات دالة.
البيجيدي يحاول (خنق) الحصان برائحة مطرح النفايات
لفهم ضراوة المنافسة بين عضوي الائتلاف الحكومي، حزب العدالة والتنمية والاتحاد الدستوري، لابد من استحضار عزل محمد الحفياني وكريم ميس، المنتميين للبيجيدي، من رئاستي المجلس الجماعي لسيدي سليمان وسيدي يحيى الغرب على التوالي، مما سمح للاتحاد الدستوري، بالتنسيق مع حلفائه، (اختطاف) رئاسة الجماعتين الحضريتين، إلى جانب رئاسة ياسين الراضي لإقليم سيدي سليمان.
وكان عامل الإقليم الحالي، عبد المجيد الكياك، قد رفع دعوى قضائية إلى أنظار المحكمة الإدارية، التي أصدرت حكما قطعيا رقم 4930، قضى بعزل محمد الحفياني من منصب رئاسة المجلس الجماعي سيدي سليمان مع النفاذ المعجل.
وفي سياق تصعيد المنافسة، استنكر حزب العدالة والتنمية، في بيان لكتابته الإقليمية، في شتنبر 2019، تماطل السلطات الإقليمية في تنفيذ مقرر مجلس جماعة سيدي سليمان القاضي بالانسحاب من مجموعة الجماعات بني احسن للبيئة (يقودها الاتحاد الدستوري)، التي "تستنزف ميزانية الجماعات دون أن تقدم أي خدمات تذكر"، وفق نص البيان.
ولم تتردد قيادة البيجيدي في اقتحام الصراع بين الجهات الراعية لمشروع (توطين) مركز التحويل بالمدار الحضري لسيدي يحيى الغرب، وفعاليات الحراك البيئي، وفي سياق استغلال الغضب العارم من تدبير (الحصان) لشؤون مجلس المدنية، التي فقدت رئاستها بعد الإطاحة بكريم ميس المحسوب على البيجيدي.
في هذا الصدد، دشن إخوان العثماني، دخولهم إلى مشهد الصراع، خلال يوم واحد فقط، بثلاث رسائل أو مواقف: أولها، تعميم وزارة الطاقة والمعادن والبيئة، التي يقودها القيادي في الحزب عزيز رباح، لبيان توضيحي، عبر وكالة المغرب العربي للأنباء، يعيد اجترار ما هو مكتوب منذ سنوات في موقع الوزارة، وتفادى فيه الرد على الأسئلة والتخوفات التي يطرحها الحراك البيئي. لكن البيان، الذي جاء في سياق المبارزة التقليدية بين البيجيدي وإحدى اليوميات الورقية، تضمن إشارة قوية مفادها أن (مركز التحويل المزمع إنجازه سيكون بصفة مؤقتة).
في السياق ذاته، تسرب مضمون السؤال الكتابي، الذي ينتظر توجيهه من قيادي بارز في البيجيدي وعضو في مجلس المستشارين إلى زميله في الحزب الوزير عزيز رباح، يتضمن رسالة ثانية مؤداها أن (مشروع مركز التحويل يوجد حاليا في طور المصادقة والتنفيذ)، وهو بذلك يسائل مجموعة الجماعات بني أحسن، التي يرأسها الاتحاد الدستوري، عن استعجالها مباشرة الأشغال التمهيدية للمطرح دون استكمال الشروط الأساسية في تنفيذ الأوراش.
آخر الإشارات، التي رصدها موقع "الغد 24"، الاجتماع الذي جمع بين المدعي والمدعى عليه سابقا، وهما عامل الإقليم والبرلماني محمد الحفياني على التوالي، لمناقشة المشاكل التي يعاني منها الإقليم وخاصة مطرح النفايات بسيدي يحيى الغرب.
وكان محمد الحفياني، حسب ما نشره في صفحته على الفايسبوك، قد وجه سؤالا كتابيا، في 15 غشت الجاري، إلى زميله في الحزب عزيز رباح بصفته وزيرا للطاقة والمعادن والبيئة، يدعوه إلى اتخاذ الإجراءات والتدابير الضرورية لرفع الضرر عن المواطنين بسيدي يحيى الغرب، حسب محتوى السؤال الكتابي.
وإلى حدود الآن، فضلت باقي الأحزاب الدخول إلى (غرفة الانتظار) بعدم كشف موقفها الرسمي من مطالب سكان المدينة، باستثناء إعلان المسؤول المحلي عن حزب الأصالة والمعاصرة، مستشار ضمن فريق المعارضة بالمجلس الجماعي لسيدي يحيى الغرب، رفضه لتوطين مركز التحويل في نطاق النفوذ الترابي للجماعة.
السلطة في امتحان (الحياد)
طالبت الفعاليات المحلية، في البيان الاستنكاري، الذي نشر محتوياته موقع "الغد 24"، السلطات بالتزام الحياد الإيجابي، وبفتح حوار جدي يفضي إلى مراجعة مكان توطين مشروع التحويل ويسهم في إنقاذ المدينة من الاحتباس التنموي.
وجاء البيان المذكور في سياق استنكار فعاليات بيئية ونقابية وحقوقية إقصائها من الاجتماع التشاوري الذي أشرف عليه باشا المدينة بمشاركة كل الجهات الرسمية المعنية بمشروع التحويل، وجاء أيضا بعد التدخل الأمني (غير المسبوق) لمنع وقفتين احتجاجيتين للتعبير عن رفض السكان لتوطين المشروع المذكور في وسط المدار الحضري.
ويتساءل الرأي العام المحلي عن خلفيات تغاضي السلطة الوصية على تطبيق مضمون الاتفاق الإطار، في إطار ضمان استمرارية المرفق العمومي. لأن التزامات الاتفاق، في الشق البيئي، سيعفي كل الأطراف كلفة الاحتقان المتفاقم، وسيمكّن المدينة من مجال للنمو الحضري، وسينهي ثلاثة عقود من الأضرار البيئية والصحية للمطرح العشوائي.
الحراك البيئي: هذه بوصلتنا
ذكر ناشط حقوقي، يقود فرعا محليا لجمعية وطنية، أن الرهانات الحزبية والانتخابية لا تعني فعاليات المدينة إلا من زاوية دفاعها عن المصالح الحيوية لسكان سيدي يحيى الغرب. وأردف أن المنظمات النقابية والحقوقية والبيئية والمدنية حريصة على استقلاليتها، لكنها تنظر باهتمام لمواقف كل الهيئات من توطين ما يسمى بمركز التحويل في قلب المدار الحضري، ودون احترام للمعايير البيئية والشروط القانونية، ودون استحضار للأضرار البيئية والصحية والمجالية- التنموية على مدينة تعاني من إعاقات هيكلية على مستوى التنمية.
وأضاف الفاعل الحقوقي ذاته أن الفعاليات الحية بالمدينة، التي وضعت برنامجا نضاليا تصعيديا، اتفقت على أن خارطة الطريق لحل مشكل مطرح النفايات، ورفع أضراره المؤكدة، هي تنفيذ مضمون الاتفاق الإطار القاضي بتهيئة مطرح مراقب للنفايات خارج المجال الحضري.